حسن العديني يكتب:

«كورونا» واليمن

حين يعيش العالم حالة هياج ورعب من «كورونا» تؤكد السلطات في اليمن خلو البلاد من هذا الوباء. تتفق في هذا سلطة الأمر الواقع المقيمة في صنعاء والسلطة الشرعية الموزعة في العواصم.

خلافاً لذلك تتسرب أخبار عن حالات إصابة محدودة. والخوف أن السلطات ليست على علم، خصوصاً أن هناك عائدين من بلدان مختلفة اجتاحها المرض دخلوا البلاد دون أن يخضعوا للحجر الصحي. ويحذر أطباء من أن الوباء إذا ظهر في هذه البلاد فسوف ينتشر على نطاق واسع خلال زمن قصير وأن الكارثة ستكون هناك أكبر مما هي في أي بلد آخر نظراً لضعف القطاع الصحي وهشاشة الدولة أو غيابها الكلي.

العجيب أنه أمام هذه الجائحة لا يكترث الناس ولا يتوخون الحذر وأن الإهمال لا يقتصر على من ينقصهم الوعي وإنما يشمل كثيرين ممن يدركون المخاطر. فهم يترددون على المطاعم والمقاهي والأندية والأسواق الشعبية بما فيها أسواق القات المكتظة. والخشية أن اليمنيين وصلوا إلى حالة من الضجر والتعب جعلت الحياة عندهم تتساوى مع الموت، أو أن الموت في نظرهم بات أشرف من حياة بلا كرامة وبلا طمأنينة ولا ثقة بالمستقبل.

إن أسوأ ما تصاب به الشعوب هو اليأس وعدم الرغبة في الحياة لأن الشعوب والأمم وكذلك الأفراد تستطيع أن تحمل الفقر وتتكيف معه وتسعى وتجتهد للتغلب عليه، وهي تستطيع أيضاً أن تتحمل الهزيمة، ثم تستعيد بالعزيمة القدرة على المبادرة والبناء من جديد والاستعداد لمعركة مقبلة تنتزع فيها النصر، و أما اليأس فهو الكارثة الحقيقية التي تصيبها الشعوب في مقتل.

ومن سوء الصدف أن الوباء الذي أفزع العالم جاء في لحظة مريرة؛ حيث دخلت الحرب عامها السادس ومضت ثلاث سنوات وسبعة شهور منذ انقطاع مرتبات 1.2 مليون موظف يعيلون سبعة ملايين مواطن بما يساوي 2 مليار و4 ملايين دولار سنوياً. وإن خروج هذا المبلغ من الدورة الاقتصادية له انعكاسات سلبية قاسية على دخول العاملين خارج نطاق أجهزة الدولة. وقد ضاعف هذا من النتائج المأساوية للحرب فعانت البلاد مجاعة حقيقية وحرم الملايين من الغذاء والدواء والملبس والضرورات الأخرى. وأما السكن فإن بعض أبناء الطبقة الوسطى الذين لا يملكون منازل خاصة تعرضوا للطرد من مساكنهم واضطر صحفيون ومدرسون ومهنيون إلى نقل أسرهم من المدن إلى الأرياف، فضلاً عن موجات النزوح الكبير من المدن التي تشتد فيها المعارك مثل تعز والحديدة.

إن مجيء الوباء في هذا المناخ يهدد بزيادة عذاب وشقاء الناس فوق ما فيهم من العذاب والشقاء القديم، والكارثة أنه ليست هناك سلطة تشعر بالمسؤولية وتمتلك القدرة على حماية مواطنيها والتخفيف من معاناتهم. ولأن اليمنيين يدركون هذه الحقيقة فلم يعد يهمهم، أو أغلبهم على الأقل إلى أين تمضي الحوادث في البيئة وفي السياسة. ولقد رأوا في السياسة ما حيرهم، وعلى وجه خاص عند تلك المحطات التي شكلت أخطاء استراتيجية وهي: الجمود على جبهة نهم- صرواح والتوقف في أطراف الحديدة.

ذلك قليل من كثير حدث معه وقبله وبعده، وأدى إلى التطورات التي تسارعت في الأسابيع الأخيرة وتجلت باقتحام الحوثيين جبال نهم واجتياح الجوف ومحاصرة مأرب.

إزاء هذه التطورات في الميدان زاد إصرار الجماعة الحوثية على المراوغة في السياسة كما ظهر من ردهم على طلب الأمين العام للأمم المتحدة بوقف التصعيد والتفرغ لمواجهة «كورونا» المحتملة بموقف لا يلزم بشيء. فقد رحب رئيس مجلسهم السياسي «بالجهود الرامية إلى إنهاء الحرب في اليمن».

وكذلك يفهم من هذه المراوغة أن الحوثي لن ينتظر طويلاً عند أبواب مأرب رحمة بالناس من «كورونا»، هذا الوباء الذي لم يفتح الباب إلى السلام في أي مكان.