د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
هل بقي لنا شيء نفخر به ؟؟!
أثناء إقامتي في وادي نجران تشرفت وتعرفت بالعديد من الشباب السعودي وكسبت ودهم ومحبتهم ولا زلت على تواصل معهم حتى اليوم ..وذات ليلة كنا في إحدى المناسبات وجاء ذكر اليمن وأوضاعه المتردية بعد أزمة الخليج فقال أحد الشباب : أنتم في اليمن مثل واحد يبني حائطا من اللبن وكلما ارتفع البناء وزاره أحد يتوقف ويسرد قصصا خيالية للزائر ثم يتجادل معه وينفعل ويهد الحائط الذي بناه في يومه وهو يردد :إحنا كنا وكانوا وكنتم !!
وأنا أقول اليوم : صدق الرجل فيما قال .. ما الذي بقي لنا من أطلال حضارة غابرة نفاخر بها الأمم والشعوب ؟!!
لقد نبشنا الأرض وسرقنا الآثار والتماثيل والأيقونات والمعادن والعملات الذهبية والسيوف وبعناها للسماسرة واللصوص ..!!
وعندما يبيع المرء تاريخه وتراثه فلا ترجو منه خيرا ولا تنتظر أملا !!
تاريخنا ملوث بالدماء ورائحة الموت تلاحقنا في كل واد وسهل وجبل ،نقتل بعضنا بعضا منذ ألف عام وأكثر !!
ماذا قدمنا لأنفسنا وللبشرية في هذا العصر من انجازات ؟ لم نقدم شيئا غير التفاخر والسفه والتبذير والغزوات على بعضنا والتبجح بإكرام الضيف بينما البعض منا لا زالوا يغدرون بعابر السبيل ويقتلونه وينهبون متاعه!!
- أصبحت طالبان والقاعدة وداعش عناوين عريضة للقتل والموت وقطع الرقاب والسبي باسم الإسلام وهو بريء مما يفعلون وتبنى البعض منا فكرهم وأصبحوا أدوات طيعة في أيديهم .
من أهم أسباب تخلفنا هو العيش في أحلام الماضي الذي لن يعود رغم أننا نعيش اليوم في الألفية الثالثة.. إلا أننا ما زلنا نفكر بعقلية أيام العرب في الجاهلية و مسابقة داحس والغبراء وثارات كليب والزير سالم , ولازلنا نعيش نمط حياتنا على وتيرة نقائض جرير والفرزدق والتفاخر بالأيام والأنساب والسلب والنهب .
في اليمن لازلنا نتغنى بسد مأرب وقد أصبح أطلالا تذروه الرياح ونفاخر بقصر غمدان وعرش بلقيس ونردد أشعار امرؤ القيس و المتنبي الذي يقول :
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
ونحن اليوم لا نركب الخيول ولا نسير في البيداء ولا نحمل سيفا ولا نحمل حتى قرطاسا ولا قلما !!
ولا زالت المذهبية والقبلية تعصف بديارنا فهذا زيدي يدعي أنه الأقوى وهذا سلالي يدعي أنه الأجدر وصاحب الامتياز الوحيد المخول من عند الرب بحكم اليمن .
وهذا شافعي وهذا تهامي وهذا من أصول دخيلة على اليمن لا تحق له المواطنة في الجنوب !! وبعد كل هذا يقولون : الإيمان يمان والحكمة يمانية ؟؟!!
وأنا أقول هنا القصد ليس السخرية من الحاضر أو الماضي ولكنه دليل عجزنا .. فلكل زمان دولة ورجالا وقد ولى ذلك الزمن وما صلح بالأمس لا يصلح لنا اليوم
ماذا قدمنا للعالم سوى التفاخر على بعضنا البعض بالألقاب وشن الحروب والنهب والسلب ؟!! بل ومازلنا نمارس العنصرية ضد بعضنا البعض ؟ولماذا نشتكي من الطريقة التي يعاملنا بها العالم ؟ وماذا قدمنا له كي يحترمنا ؟ !!
وماذا قدم العرب للعالم ونحن منهم سوى مئات الآلاف من القتلى والمشوهين وملايين المهاجرين والمشردين من أوطانهم قسرا ليبقى الحاكم بأمر الله فوق رقابنا!!
إن العنف السياسي من أهم المؤشرات على عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي ومن ذلك قيام الثورات والانتفاضات بسبب الحرمان الاقتصادي الذي قادنا إلى الإحباط والتشاؤم عندما تركزت القوة والمال والسلطة في أيدي الأقلية التي تبدد المال العام لتحمي نفسها وتعرقل الديمقراطية , وعندما يريد أي شعب عربي تغيير الحاكم يحتاج إلى نسف الدولة بالكامل وإشعال حرب أهلية كما حدث في ليبيا وسوريا واليمن !!
أما في الغرب وفي بعض دول العالم الثالث يدخل الرئيس إلى سدة الحكم بالانتخاب والقانون ويغادر بنفس الطريقة كما حدث في بريطانيا عندما انسحبت من الاتحاد الأوربي بموجب استفتاء شعبي ؟!! وقد ذكر لي رجل عربي يعيش في كندا وقال :
لم يسألني أي مسئول عن جنسيتي أو ديني كل أوراقي الرسمية ليس فيها ما يشير إلى جنسيتي وديني - أنت في كندا إنسان فقط - كل انتماءاتك العرقية والدينية والثقافية تخصك وحدك فقط المهم يحميك القانون بالعدل والمساواة بين الجميع .
بينما نحن في اليمن و العالم العربي نسمع ونقرأ خطاب الكراهية ضد بعضنا البعض وينشر بالخطوط العريضة على صفحات مجلاتنا وجرائدنا وسائر أنواع التواصل الاجتماعي المقروءة والمسموعة دون حياء ولا خجل ولا خوف حتى من الله !!
وعندما نسأل لماذا ذلك كله؟ لا نجد جوابا شافيا لكل هذه اللهجة الحاقدة التي تلوكها ألسنتنا وتحرق قلوبنا وعقولنا وتسمم أفكارنا .ونسأل :
أين العقلاء وأهل الرأي والحكمة ودعاة المحبة والتآخي والتآلف والسلام؟
لماذا تركوا منابرهم لدعاة التكفير ورواد الظلام والضلال ؟
لماذا نستمع إلى هؤلاء وخطاباتهم التي تنشر الأحقاد والطائفية والسلالية والعنصرية بيننا ؟
لما أصبحنا مسلوبي الإرادة ومكتوفي الأيدي على ما يجري اليوم في بلادنا من سفك للدماء وهتك للأعراض وتدمير للممتلكات وتعميق للانقسامات في مجتمعاتنا ؟ حتى أصبحنا كقطعان من الخراف الأغبياء نردد ما يقولون :هذا سني ..وهذا شيعي.. وهذا سلفي ..وهذا صوفي.. وهذا علماني ..وهذا ..وهذا ؟؟
هل سئلنا أنفسنا عن ماذا نبحث ؟ نجد القبلية تتجذر في عقولنا والمناطقية تترسخ
في قلوبنا ..!!
إلى متى سنظل وقودا لهذه الحروب اللعينة ؟ وخطاب الكراهية.. يضرب تاريخنا ويشكك في ثوابتنا والى أي أودية سحيقة تقذف بنا بحار الكراهية هذه ؟
ولماذا نتفاخر على بعضنا البعض أو على الأمم الأخرى ؟
ونحن مجرد سوق استهلاكي لخردة العالم نأكل مما لا نزرع ونلبس مما لا ننسج وأبراجنا العالية تبنى بأيدي مهندسين من أوربا وأمريكا وكوريا في حين لازلنا عاجزين عن صناعة ساعة اليد أو ساعة تحديد القبلة !!
لقد قمنا بهدر أكثر من ألف مليار دولار بسبب الفساد المالي في شمال أفريقيا والشرق الأوسط أي ما يعادل 33 % من الناتج القومي مما أدى إلى بطالة تتراوح من 25 % - إلى 30% ومائة مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر ..إضافة إلى انتشار الأمراض والأوبئة والبنى التحتية !!
وقد قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل :
((الهند والصين لديهم أكثر من 150 رباً و800 عقيدة مختلفة ويعيشون بسلام مع بعضهم البعض بينما المسلمون لديهم رب واحد ونبي واحد وكتاب واحد لكن شوارعهم تلونت بالدماء القاتل يصرخ: الله أكبر والمقتول يصرخ : الله أكبر ))!!
ومن سخرية القول والمفارقات العجيبة أن اليابان تحتفل باختراع أسرع سفينة بالعالم ونحن نحتفل بتجهيز اكبر منسف للرز في العالم !!!
والعلة أن الطباخون هنود..!!!
د.علوي عمر بن فريد