الحبيب الأسود يكتب:

أردوغان يغزو ليبيا بأجندات مفضوحة

مستغلا انشغال العالم بجائحة كورونا، نقل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تدخله في ليبيا إلى غزو مباشر. كل المعطيات تكشف عن حجم الدور التركي هذه الأيام في غرب ليبيا، والذي خرق هدنة الثامن من يناير الماضي، والهدنة الإنسانية، وبات يخوض حربا على جميع المحاور، هدفها قلب موازين القوى لفائدة حلفائه من أمراء الحرب وقادة الميليشيات والجماعات الإرهابية، والعمل على محاولة إبعاد الجيش الوطني من تمركزاته الحالية.

منذ أسبوعين غطت الطائرات المسيّرة التركية سماء المنطقة الغربية من شرق مصراتة إلى الحدود المتاخمة لتونس، مرورا بترهونة وبني وليد، وضواحي طرابلس، وصولا إلى الحمادة الحمراء، وتم الاعتماد على أحدث التقنيات للتشويش على أجهزة الرصد المتوفرة لدى الجيش، وعلى الأقمار الاصطناعية لتحديد تحركات آليات القوات المسلحة في أكثر من مكان. فالأتراك يستعملون في غزوهم على إمكانيات حلف الناتو الذي تنتمي إليه بلادهم، بينما يخصص عملاؤهم على الأرض إمكانيات ضخمة لشراء ضمائر بعض ضعاف النفوس من المستعدين لخيانة المشروع الوطني، أو لتحريك الخلايا النائمة التي لا تزال متعلقة بوهم الخلافة في نسختها العثمانية الجديدة.

ولاشك أن أغلب المراقبين لاحظوا خلال الأيام الماضية استهداف المُسيّرات التركية لشحنات المؤونة والوقود والدواء، خاصة في ضواحي بني وليد، وضرب طائرة الشحن التي كانت حطت بمطار ترهونة وعلى متنها أجهزة مخصصة لتجهيز مستشفى ميداني ضمن خطة قيادة الجيش لمواجهة فايروس كورونا المستجد، في الوقت الذي نفذت فيه الميليشيات المدعومة بجحافل المرتزقة هجومات عنيفة على محاور القتال، استطاع الجيش التصدي لها، والرد عليها بضربات موجعة، وخسائر فادحة تكبدها مسلحو حكومة الوفاق من متعددي الجنسيات.

يحاول أردوغان من خلال غزوه غير المعلن للغرب الليبي تسجيل انتصار وهمي للتغطية به على أوضاعه الداخلية المهتزة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وكذلك نتيجة خسائره في شمال سوريا، والعزلة الإقليمية التي يواجهها، إضافة إلى أن تصعيده يأتي من باب التحدي للمهمة الأوروبية لمراقبة تنفيذ القرار الأممي بمنع توريد السلاح لليبيا، والتي استفزته بإسناد قيادتها لليونان، وحملها اسما يونانيا هو “إيريني” بمعنى السلام.

باتت السيطرة على ليبيا قضية حياة أو موت لأردوغان، انطلاقا من عدة اعتبارات، أولها أهمية الموقع والمساحة والمقدرات، وثانيا تحكمه التام في النخبة التي تدير الحكم في طرابلس، وقدرته على تطويعها لتنفيذ أوامره وتحقيق أهدافه، وثالثا لاعتقاده بأن السيطرة على ليبيا هي مفتاحه لبسط نفوذه في شمال أفريقيا، وأداته للدخول في مساومات مع الدول الكبرى وخاصة منها الأوروبية ذات العلاقات التاريخية والإستراتيجية مع المنطقة. فمن يضع يده على ليبيا، إنما يضع يده على الرقم الصعب في منظومة الساحل والصحراء التي يمتلك النظام التركي صلة مع الجماعات الإرهابية وحركات التمرد المنتشرة فيها سواء بوسائله الخاصة، أو عبر حليفه القطري صاحب اليد الطولى في دعم تلك الجماعات تمويلا وتسليحا.

غير أن الواضح أن أرودغان يلعب على المكشوف، فنواياه مفضوحة للجميع، وهو بطبعه من الساسة غير القادرين على إخفاء مشاريعهم، كما أن أطماعه ظاهرة للجميع، أبرزها الطاقة ومشاريع إعادة الإعمار في ليبيا وتهديد الأمن القومي لمصر بعد أن فشل في تحقيق وعوده بعودة الإخوان إلى حكمها، والتضييق على فرنسا في مستعمراتها القديمة بشمال أفريقيا والصحراء الكبرى، وغاز المتوسط، وقطع الطريق أمام روسيا والصين، وجر الولايات المتحدة إلى مفاوضات بهدف تكريسه وكيلا لمشاريعها في المنطقة، وفوق كل ذلك التمكين لقوى الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان بما يُتوّجهُ قائدا روحيا بنزعة إمبراطورية.

إن هذه الأطماع بقدر ما هي مفضوحة، فإنها هي التي تتصدى لمشروع أردوغان وتفشله عاجلا أو آجلا، فلا الشعب الليبي ولا جيشه الوطني ولا الدول الإقليمية ولا العواصم الأوروبية ولا القوى الكبرى، ستسمح للأتراك بتنفيذ مخططهم، وحتى وإن بدأ أردوغان غزوه السافر لليبيا، فإن هناك أطرافا عدة تترصد تحركاته وتعرف متى توقفه عند حده، بل تعيده مهزوما مدحورا إلى بلاده، خصوصا عندما ننظر إلى مساحة ليبيا الشاسعة وحدودها الممتدة، وإلى عدم قدرة أي قوة السيطرة عليها ما لم تكن مدعومة بإرادة الليبيين، ويدرك أردوغان جيدا أن إرادة الليبيين ليست معه، ولا مع حلفائه، وإنما مع الجيش الوطني.

الأيام القادمة ستكون حاسمة، وكما كشر أردوغان عن أنياب الغازي، سيتفاجأ قريبا بأن صحراء ليبيا قادرة على ابتلاع مخططاته ووأد أطماعه.