علي قاسم يكتب:

هل وفاة البعض بكورونا أفضل من الإفلاس

الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتبر أنّ قراره بشأن موعد فتح الاقتصاد الأميركي بعد إغلاق البلاد، بسبب انتشار فايروس كورونا، سيكون أصعب قرار يتوجّب عليه اتّخاذه. لماذا؟

مشكلة ترامب، كما هي مشكلة باقي دول العالم، أنه لا يعلم بالتحديد ما هو القرار الصائب. بعد أكثر من ثلاثة أشهر، يبدو العالم متخبطا أكثر من أي وقت مضى، العلماء والسياسيون، يأملون من الله أن يكون قرارهم صائبا.

في بداية الأزمة كانت قرارات ترامب أكثر صرامة وقوة، ولكنه مثل كثيرين غيره سرعان ما تراجع عن موقفه، ليس فقط أمام أعداد الإصابات التي تتزايد يوما إثر يوم، بل أيضا أمام الناخبين.عندما تنتهي الأزمة، سينسى الناس أخطاء العلماء، وتبقى أخطاء السياسيين واضحة، هم من سيدفع الثمن، بعد أن تكون الشعوب قد دفعته.

ولكن ما هو الثمن الذي نتحدث عنه؟ أكثر من نصف مليون إصابة، ونحو 20 ألف حالة وفاة تضع الولايات المتحدة في صدارة البلدان الأكثر تأثرا بالجائحة، فيما بدا أنها ضربة جديدة لأكبر اقتصاد بالعالم مع توقعات باستمرار الإغلاق، في وقت بدأ به ملايين الأميركيين يئنون تحت وطأة التبعات الاقتصادية للفايروس.

ومن كان يظن أن بلاده في مأمن، فهي أقوى دولة في العالم، باتت بلاده اليوم أكبر بؤرة لتفشي الفايروس.قبل أسابيع تحدث ترامب بثقة عن عودة الحياة إلى طبيعتها في بلاده بحلول عيد الفصح. جاء العيد فإذا به يطلب الإلهام من الله أن يمنحه البصيرة لاتخاذ القرار الصائب.

وبينما ملايين الأميركيين سجناء منازلهم، ظل فايروس كورونا يحصد المزيد من الأرواح. ولم تخدم صور التقطتها طائرة دون طيار الرئيس الأميركي، بعد أن أظهرت مشهدا لدفن عشرات التوابيت في حفرة واحدة، في جزيرة هارت إلى الشمال الشرقي من برونكس، وهي الجزيرة التي تحمل منذ فترة طويلة لقب “جزيرة الموتى”.

أميركا التي نعرفها انتهت للأبد، بسبب من أزمة كورونا. بهذه اللغة الصريحة خاطب الملياردير ورجل الأعمال الأميركي، بيل آكمان، الرئيس ترامب وعبر عن أسفه لقول ذلك، لكنه الواقع الجديد كما يراه، هناك “تسونامي في طريقه ليضرب الولايات المتحدة”.

وتوقع آكمان أن تعلن الكثير من شركات الفنادق، وشركات المطاعم عن إفلاسها، وربما تكون شركة بوينغ أول من تعلن إفلاسها من الشركات الكبرى.

وقد تصل قيمة أسهم شركة هيلتون للفنادق إلى الصفر طبقا لتقديرات آكمان الذي يعد من أكبر مالكي أسهم الشركة العالمية. وتوقع أيضا أن يتم إغلاق كل الفنادق في الولايات المتحدة، وهو يؤمن أن الأزمة ستستمر على الأقل لعام ونصف العام، وهو ما يستحيل معه استمرار العمل بنفس الطرق المتبعة حاليا.

وفعلا، خسرت أسهم شركة هيلتون أكثر من نصف قيمتها السوقية، في حين فقدت شركة ماريوت 60 في المئة من قيمتها السوقية منذ بداية شهر مارس.

مطلب آكمان من الرئيس الأميركي، على عكس ما قد يتوقعه الجميع، ليس تخفيف الاحتياطات المتخذة أو تخفيف الحظر، بل مناشدة بإغلاق كلي للولايات المتحدة لمدة 30 يوما، من أجل احتواء انتشار الفايروس المتسارع، مؤكدا أن هذه هي الطريقة الوحيدة لإنقاذ الاقتصاد الأميركي. ترامب وآخرون ليسوا مقتنعين، ضمنيا، بصواب المطلب، وفي حال استجابوا له فإن ذلك خشية أن يكونوا على خطأ.

خسارة الانتخابات ليست الشيء الوحيد الذي يخشاه ترامب، من كان في موقعه سيخشى حكم التاريخ مستقبلا، ليس هناك من يرضى أن يقال عنه إنه تسبب في موت مليون أميركي أو أكثر.

ما هو الثمن الذي ستدفعه الولايات المتحدة على الصعيد الاقتصادي؟ وهل سيكفي الرقم الذي وافق عليه الكونغرس وهو 6 تريليون دولار؟ بالتأكيد لا. ولن يكفي أيضا الرقم الذي قرره الاتحاد الأوروبي لهذا الغرض وهو 500 مليار يورو. فوق كل ذلك، من يستطيع أن يؤكد أن هذه الكلفة لن تفوق قيمة العلاج. ومن يضمن في النهاية أن عدد الضحايا سيكون أقلّ.

على العالم أن ينتظر عاما آخر على الأقل لإحصاء حجم خسائره، بعد أن يكتشف لقاحا فعّالا وآمنا للفايروس. هذه الفاتورة التي عبّر كلّ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن استعدادهما لدفعها، لتصحيح ما خربه وقد يخربه كورونا، هل تستطيع الدول الفقيرة دفعها لإنقاذ الأرواح والاقتصاد؟ بالطبع كلّنا نعلم أنها عاجزة عن ذلك، فما مصيرها إذا وقد فرض عليها أن تتبع خطوات الكبار في مواجهة الوباء؟

لا شيء يدعو للطمأنينة، لذلك نسمع اليوم أصواتا يتزايد عددها تطالب بتعديل تلك الاستراتيجيات، أو التخلّي عنها من الأساس.

في الفلبين طالبت سيدة الأعمال، تيريستا سي كوسون، بإعادة فتح الاقتصاد تدريجيا والسماح للشركات بالعمل بنصف قوتها من أجل حماية الوظائف. وتعتقد كوسون، التي تدير إمبراطورية اقتصادية تتراوح ما بين قطاعي البنوك وتجارة التجزئة، بضرورة أن تعود كل القطاعات إلى العمل بنصف طاقتها؛ فالعمل يمثل أمرا مهما لصحة الأسر، يمكنهم الحصول على الطعام الكافي من أجل مناعتهم، كما أنه أمر مهم لصحة الاقتصاد.

وفي تونس حذر السياسي والنائب السابق بالبرلمان، الصحبي بن فرج، من أنّ “تواصل حالة الشلل العام ينذر بأزمة معيشية خانقة، قد لا تقدر البلاد على مخلفاتها، ولا وجود لحلّ إلا الخروج تدريجيا مع أخذ الاحتياطات اللازمة”.

أما في مصر، التي يقارب عدد سكانها 100 مليون، وتعاني من أزمة اقتصادية، أحدث فيها المهندس حسين صبور، أشهر مطوّر عقاري محلّي، صدمة بتصريحات رفض فيها تقييد حركة البشر كوسيلة لمواجهة تنامي أعداد المصابين بالفايروس، وانتقد تقليص المصانع لساعات الدوام، وتقليل أعداد العمال المتواجدين على خطوط الإنتاج، واعتبر أن موت البعض بالفايروس أفضل من الإفلاس الاقتصادي.

صبور ليس وحده في هذا التوجه، هناك أيضا رجلا الأعمال نجيب ساويرس، ورؤوف غبور، وهما اللذان يحافظان على مكانتهما ضمن قائمة أغنى الأثرياء العرب، ليطالب الثلاثة بعودة جميع العمال لأعمالهم فورًا، بصرف النظر عن مخاطر الوباء العالمي. لكن صبور، كان أكثر الثلاثة شجاعة أو تماديا، حينما قال “شعب قائم يعمل وناقص شوية أفضل من شعب مفلس تماما لا يجد قوته غدًا (..) وفاة البعض بكورونا أفضل من الإفلاس”.

ترامب على حق، في ظل الغموض الذي نعيش فيه، الله وحده يعلم من على صواب بين كل من بيل آكمان وحسين صبور، وهو من يلهم البشرية طريق الصواب.