خالد العبد يكتب لـ(اليوم الثامن):
الغزو الفارسي لليمن والابن غير الشرعي في صنعاء
تعرض اليمن لغزو فارسي مرتين في تاريخه أولها كان قبل الاسلام وتحديد فيما يعرف عند المؤرخين بعام "الفيل" وهو العام الذي كان فيه مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم . وكان سبب دخول الفرس إلى بلاد اليمن هو استعانة الملك اليماني سيف بن ذي يزن بكسرى فارس لمساعدته في طرد الأحباش من اليمن حيث امده بجيش عرمرم يضم في صفوفه جملة من القتله والمجرمين الذين كانوا في سجون فارس، بحسب ما ذكرت الكثير من المراجع التاريخية.
ولما قدم الملك اليماني سيف بن ذي يزن إلى صنعاء على رأس (جيش فارسي) وجد أن الأحباش قد خرجوا من صنعاء باتجاه مكة حيث كان أبرهة الاشرم الحبشي قد جهز جيشه ومعهم "الفيل" لهدم الكعبة بقصد صرف الحجيج عن بيت الله الحرام في مكة إلى صرح "القليس" الذي كان قد شيده لهم في صنعاء (ومازال قائم حتى اللحظة) . وبينما كان "أبرهة" في طريقه إلى مكة لهدم الكعبة اهلكه الله مع جيشه قيل أن يبلغ مراده حسب ما ذكر القرآن الكريم القصة في سورة الفيل حيث قال عز وجل : "فأرسل عليهم طيرا ابابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول" .
ولما وصل الجيش الفارسي الى صنعاء مع الملك اليماني سيف بن ذي يزن ولم يجدوا الأحباش فيها رأى قادة ذلك الجيش ان الفرصة مواتية لهم في ضم تلك البلاد إلى نفوذ الساسانيين الفرس فعمدوا إلى قتل سيف بن ذي يزن فأصبح الفرس هم حكام صنعاء وتوارث الحكم من بعدهم الأبناء - اي أبناء الفرس - الذين جاءوا من نساء يمنيات حين اقتضت حاجة الرجال في الجيش الفارسي، الذي جاء رجال دون نساء، إلى الحياة مع النساء فتزوحوا من نساء يمنيات فاصبحت الأجيال المولوده لهم تعرف في تصنيف المؤرخين لعناصر المجتمع اليمني بفئة "الأبناء".
وبما أن تركيبة الجيش كان في مجملها - الا من قادته - تضم القتلة والمجرمين الذين كانوا في سجون فارس؛ فلا غرابة من أن تجد نظام صنعاء تمارس فيه الجريمة من موقع السلطة حتى أصبح الفساد والاجرام ثقافة في المجتمع توارثتها الأجيال جيل بعد جيل حتى اليوم.
وخلال الحقبة الزمنية الممتده من عام الفيل حتى أواخر القرن الهجري الثالث نشأت ولاية فارسية بدأت بدخولهم صنعاء واستيلائهم على الحكم، بعد قتلهم سيف بن ذي يزن، وظل القادة الفرس يتعاقبون على حكم صنعاء كولاية فارسية حتى ظهور نور الاسلام وانطلاق الفتوحات الإسلامية باتجاه اليمن فدخلت تلك الولاية الفارسية في الاسلام في بداية الامر "رهبة" لا رغبة وذلك بعد ان ارسل حاكم صنعاء حينها "باذان بن ساسان الفارسي" رسالة إلى كسرى ملك فارس "برويز ابن هرمز" يخبره فيها بأن رجلا من العرب يدعى "محمد" خرج من مكة ويحمل دينا جديدا وما ان يصل إلى قرية أو بلدة من قرى وبلدات المنطقة الا ودانت له إما سلما وإما بالسيف؛ فما كان من الملك الفارسي إلا أن أشار على واليه في صنعاء أن أدخل في طاعته ولا تخرج لقتاله، لان كسرى فارس قد علم بأن الظفر دائما يكون لمحمد على كل من عارضه . وبهذا صارت صنعاء ولاية من ولايات الاسلام تحت حكم الحاكم الفارسي المسلم "باذن" الفارسي .
وظل النظام الفارسي باسطا على صنعاء قبل ظهور الإسلام ويعد ظهوره لقرابة الثلاثة قرون كعهد فارسي اول في اليمن حتى دخلت اليمن في العهد الفارسي الثاني سنة 284 للهجرة حين قدم إليها "الرسيون" القادمون من أعالي جبال الرس في إيران ومعهم كتب قالوا انها افكار ومعتقدات الإمام (زيد بن علي بن الحسين بن ابي طالب) رضي الله تعالى عنهم جميعا.
وحينها - أي سنة 284للهجرة - أسس الرسيون نظام الدولة الزيدية في "صعدة" حيث أخذت تلك الدولة اسمها هذا من اسم الامام "زيد" رضي الله تعالى عنه، كما يسميها بعض المؤرخين بالدولة "الهدوية" نسبة إلى المؤسس الهادي إلى الحق - وهو الضال اصلا - الحسين ابن القاسم الرسي، وتسمى ايضا عند البعض بالدولة "الرسية" نسبة إلى المؤسسين القادمين من اعالي جبال الرس في إيران .
اسس الرسيون الفرس نظام الدولة في صعدة اليمنية لعدة أسباب أولها أن لهم قرابة عرقية -(عرق فارسي)- بحكام صنعاء وقد يحتاجون إلى مساعدة منهم في تنفيذ مشاريعهم، وثاني الأسباب انهم وجدوا في منطقة صعدة مكانا آمنا للإعداد والتجهيز للاجهاز على الدولة العباسية التي أسسها جيل من بني العباس في "بغداد" بعد أن انتزعوا الحكم من بني أمية وساندهم الفرس الذين تلقوا وعودا من القادة العباسيين بان يتم بعد إسقاط حكم بني أمية تنصيب خليفة للمسلمين من بني هاشم وسيكون من آل بيت رسول الله (العلويين) الذي يتعصب الفرس لهم، وقيل إنهم - اي الفرس - شايعوا الامام علي بن ابي طالب رضي الله تعالى عنه، حتى اصطلح فيما بعد على تسميتهم "الشيعة".
ولما نكث العباسيون بوعدهم للفرس ظل الصراع بين الحكام من بني العباس والفرس حينا حتى خرجت تلك الجماعة "الرسية" مصطحبة معها ما قالت انها افكار ومعتقدام الامام "زيد" إلى صعدة واسسوا نظام تلك الدولة.
ومن هذا العرض التاريخي اعتقد انها اتضحت اسباب العلاقة التاريخية على مر العصور، وحتى اليوم، بين بلاد فارس وصنعاء والتي كان اهمها الرابط العرقي بينهما والمتمثل في وجود شريحة واسعة أصبحت واحدة من أهم عناصر التركيبة الاجتماعية لليمن فضلا عن أن تلك الشريحة تتمتع بحكم ونفوذ على بلاد صنعاء وما جاورها من البلدان .
ولما يأس الرسيون الفرس الذين اقام لهم الهادي ابن الحسين ابن القاسم الرسي دولتهم في صعدة من الوصول إلى الدولة العباسية والنيل منها، وتنصيب خليفة للمسلمين من آل البيت ليكون لهم الفضل عليه يؤهلهم في السيطرة على مفاصل الدولة، ولما كان في الأصل كل غاياتهم من تأسيس تلك الدولة هي النفوذ والسلطة، كل ذلك وغيرها من العوامل جعلت الرسيين الهدويين الزيود يغيرون في الاتجاه نحو صناعة النفوذ والقوة فاخذوا يتوسعون على حساب الأنظمة القبلية والدويلات التي نشأت في بلاد اليمن أثناء العصر الاسلامي الذي عرف بعصر الدول والإمارات الإسلامية، في ظل دولة الخلافة العباسية والخلافة العثمانية من بعدها؛ فأخذت تلك الدولة الزيدية الفارسية الأصل بالتوسع واول ما كان لها هو التوسع باتجاه صنعاء ليزداد نفوذها وقوتها بوحدة إخوة العرق التي تمت بين حكام صعدة "الرسيين" واشقائهم حكام صنعاء من "الأبناء" (ابناء الفرس) أبناء وأحفاد باذان الفارسي وغيره ممن سبقوه في حكم صنعاء من الحكام الفرس.
ولما كان المذهب الزيدي منهجا سياسيا وليس منهجا دينيا فإن طبقة الفرس اليمنين استأثروه لأنفسهم في صورة عنصرية أرادوا من خلاله التميز عن غيرهم من فئات وطبقات المجتمع اليمني فابقوا عليه حكرا على أهل صعدة وصنعاء ولم ينشرونه ولم ينقلوه إلى المناطق التي أسقطوا دولها وضموا أراضيها إلى نفوذهم والحقوا أهلها برعاياهم، كمناطق إقليم تهامة الذي تعاقبت عليه عدد من الانظمة والدويلات وكان أشهرها دولة بني رسول التي كان ملوكها يهتموا بالعلم ويشجعوا على تحصيله إلى درجة أن مدينة "زبيد"، التي كان الملوك "الرسوليون" من بني رسول يتخذونها عاصمة شتوية لهم إلى جانب العاصمة الصيفية تعز، كانت تسمى مدينة العلم والعلماء .. كما لم ينشر الحكام الزيود المذهب الزيدي في ارضي ومناطق الدولة الصليحية التي كانت عاصمتها "جبلة" وهي ما يعرف اليوم باللواء الاخضر محافظة "اب" اليمنية، ولم ينشروا مذهبهم الزيدي أيضا هناك، وفي البيضاء وغيرها من المدن والمناطق اليمنية كذلك لم ينشروا المذهب الزيدي الذي اتخذ منه الدولة الزيدية منهجا لها وظل أبناء اليمن العرب الاقحاح يتبعون المذهب الشافعي حتى اليوم مما يؤكد عنصرية العرق الفارسي لحكام صنعاء الذين حكموا اليمن قرون من الزمن ومازالت الفرص كثيرة أمامهم في إطالة عمر الحكم الزيدي الفارسي لأسباب الجهل والفقر التي وضعوا المجتمعات اليمنية فيها عبر عصور حكمهم لليمن .
. هذه الحقائق التاريخية التي لايستطيع اي زيدي أو ذنب تابع للزيود أو اي كائن من كان أن ينكرها أو يدحضها، كلها تؤكد للملا بأن نظام صنعاء ليس يمنيا ولا عربيا بل فارس بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ومازال هذا النظام الفارسي ذي الرداء اليمني يتبع نفس المنهج في الضم والالحاق، وان استخدم اساليب 'التقية" لاخفاء نواياه القبيحة، في السير نحو تحقيق أهدافه المتمثلة في ضم كل ما يستطيع ضمها من الأراضي إلى نفوذه وإلحاق أهلها برعاياه، وحتى أن صالح بن ناجي الرويشان وهو احد رجال النظام الامامي الزيدي الفارسي عندما كان واليا على البيضاء في خمسينيات القرن الماضي أفصح عن استراتيجية الدولة القائم على أساس الضم والالحاق من خلال زامل شعري مشهور قال فيه :
واليوم يا وادي البيضاء تسمع رجات سيدي والمدافع ** قد عادها حسبة من الله نأخذ عدن وأبين ويافع ...
وختاما الى عشاق الوحدة والقومية من العرب : هل اتضحت الصورة ويانت لكم فيها المعاني بأن نظام صنعاء ليس يمنيا ولا حتى من العرب، وهو يمثل ابنا غير شرعي كان نتاجا لغز فارسي غير واحد؟!!! ..