ماجد السامرائي يكتب:
كورونا لن يقتل ثورة العراقيين
القتل والاختطاف وتشويه سمعة المنتفضين العراقيين لم تعطل الثورة الجديدة ضد النظام الطائفي الفاسد التي انطلقت من ميادين الاعتصام في بغداد والناصرية وكربلاء والنجف، فهل تتمكن جائحة كورونا من قتل ثورة التغيير الجديد؟
قد يأخذ الفرح السياسيين مأخذا خياليا بأن ما لم يتمكنوا من تحقيقه بأنواع الأسلحة وبتعدد أساليب القمع لإعادة الشباب إلى بيوتهم قد حققه لهم كورونا بلا ثمن، ولهذا يشعرون بأنهم الآن أحرار من ذلك الضغط الجماهيري الذي أوجع رؤوسهم وحاصرهم داخل المنطقة الخضراء وأقصى واحدا من أعمدتهم الطائفية الموبوءة بالمرض الخامنئي (عادل عبدالمهدي) الذي كان وصفة تخدير لاستمرارهم في مسلسل الفساد والخضوع لأوليائهم. وستعود إليهم عافية التحكم بالسلطة باختيارهم لمصطفى الكاظمي كرئيس للوزراء بلا وجع رأس.
قادة الإسلام الشيعي يعتقدون أن ذهاب الثوار إلى منازلهم قد أنهى ثورتهم، لكن تاريخ ثورات الشعوب وانتفاضاتهم يقول عكس ذلك. ثورة أكتوبر العراقية جاءت بعد عقد ونصف العقد من الظلم والاستبداد والفساد، وتعطّل الاعتصامات لم يوقف حركتها بل غيّر مؤقتا من وسائلها إلى أدوات التواصل الاجتماعي التي كان لها الدور الأكبر في انتصار ثورة الياسمين في تونس وانتفاضة شباب مصر السلميتين، ولولا سلوك نظام بشار الأسد في حرف الثورة السورية عن سلميتها ودخول المتطرفين إلى فعاليتها لانتصرت على النظام الدموي القائم في دمشق.
أمام شباب الثورة فرصة ثورية خلال استراحة الحجر لإعادة حساباتهم السياسية، من خلال مراجعة هادئة لمسيرة الشهور الستة، أين أخفقوا وأين نجحوا
ولأن قادة الأحزاب الشيعية يجهلون التاريخ والسياسة فقد توهموا أنهم حين عارضوا نظام صدام حسين قد لبسوا ثوب الثورية وأصبحت أسماؤهم خالدة على لائحتها، وصدقوا هذه الكذبة معتقدين أنها ستحميهم من عقاب الشعب العراقي على جميع جرائمهم في القتل وترويع الناس وتهجيرهم من ديارهم بواسطة ميليشياتهم، وتوهموا أن غطاء العمامتين السوداء والبيضاء قادر على صد ثورة الشعب. مثال أبي جهل يحضر الآن وهو من قبيلة النبي محمد (ص) قريش لكنه لقى مصيره بقطع رأسه حين تصدى لثورة الإسلام بقيادة النبي العربي محمد وتدبيره المكائد لقتله. الرمز الثوري الزعيم نيلسون مانديلا سجن سبعا وعشرين عاما لكنه بعد خروجه قاد انتصار الثورة ضد التمييز العنصري وكان مؤمنا بنظريته “يبدو دائما الأمر مستحيلا إلى أن يتم إنجازه”.
أمثلة معاصرة كثيرة تشهد على حتمية انتصار الثورات الشعبية السلمية، ففي العام 1986 شارك الملايين في العاصمة الفلبينية، مانيلا، في مسيرات سلمية في الثورة التي حملت اسم “قوة الشعب”، ولم تمر أربعة أيام حتى سقط نظام ماركوس.
وفي عام 2003 أجبر سكان جورجيا الرئيس إدوارد شيفرنادزه على الاستقالة عقب ثورة الورود التي اقتحم فيها المحتجون البرلمان حاملين في أيديهم زهورا دون إراقة قطرة دم واحدة. وفي وقت سابق من عام 2019 أعلن كل من الرئيس السوداني عمر حسن البشير والرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة التنحي عن السلطة التي ظلا ممسكين بزمامها لعقود تحت ضغط الحراك الشعبي السلمي. وغياب رمز سياسي واحد في الحكم العراقي لا يلغي حقيقة مفادها أن فريق الأحزاب يعبر عن الحاكم الفرد.
إيريكا شينوويث، الباحثة في العلوم السياسية بجامعة هارفارد، تؤكد أن العصيان المدني ليس خيارا أخلاقيا فحسب، بل ثبت أيضا أنه أكثر قوة وفعالية بمراحل من جميع أشكال الاحتجاج الأخرى في تشكيل المشهد السياسي العالمي.
لوجستيا تراجع الضغط البشري في ساحات الاعتصام بسبب وباء كورونا، لكن الشباب العراقي مازالت عزيمته قوية، بل أقوى تأثيرا عما كانت عليه قبل قرارات منع التجول، وواهم من يروّج من دعاة الإسلام الشيعي بأن انتفاضة الشباب ذات مطالب خدمية لإبعاد حقيقتها كثورة تغيير شامل في الحياة السياسية العراقية.
مجيء الكاظمي سيساعد القادة السياسيين الشيعة على التقاط الأنفاس وأخذ المبادرة في إشاعة مناخ المهادنة الوهمية مع الثوار، والإيهام بأنهم على طريق تحقيق مطالبهم من خلال رئيس الوزراء الجديد الذي سيكون أكثر استجابة لرغبات هذه الأحزاب وأكثر نعومة وقربا للثوار من سابقه عادل عبدالمهدي صاحب الاستفزازات الكثيرة، وستوصى فصائل وميليشيات القتل بالتهدئة الإعلامية.
أمام شباب الثورة فرصة ثورية خلال استراحة الحجر لإعادة حساباتهم السياسية، من خلال مراجعة هادئة لمسيرة الشهور الستة، أين أخفقوا وأين نجحوا، وما هي قدراتهم الحقيقية، وهل كانت شعاراتهم جميعها صائبة وخادمة لمشروع التغيير، الأعداء الحقيقيون للثورة وأساليبهم في التسلل إلى جسم ثورة أكتوبر، وهل كانت كل الأصوات الإعلامية خادمة لمشروع ثورتهم أم كانت جزءا من أساليب المخادعة لإيقاعها في دهاليز الفشل؟ البحث عن إمكانيات تخليص الثورة من مأزقها الطائفي التي توصف بها من قبل بعض مثقفي العملية السياسية بأنها احتجاجات بيتية داخل “البيت الشيعي” لا شأن لشعب العراق بها، وتأكيد شموليتها كثورة لكل العراقيين.
لا أوصياء على الثورة الجديدة ولا منظرون عقائديون لهويتها الوطنية العراقية، في هذه الفترة مطلوب من جميع الأصوات الوطنية ألا تخطئ في الخطابات الإعلامية والسياسية فتقسو على الثورة بالنقد والتجريح الذي قد يصبح جزءا من مشروع تصفيتها، ولا ننسى أن أول حاملي سلاح القتل السياسي للثورة هم وكلاء إيران في العراق.