د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
وطني إلى متى أبكيك ؟!!
أتذكر أنني صادفت مهندسا بريطانيا في لندن كان في مطلع شبابه يعمل في عدن وقال لي: هل تعلم أن عدن فيها أفضل مجاري في العالم العربي تستوعب حتى مياه السيول والأمطار وتصريفها بيسر وسلاسة إلى البحر ؟؟!!
كان ذلك في عهد الاستعمار أما اليوم فقد تغير حال عدن 180 درجة ،وقد خنقتني العبرة وأنا أشاهد الصور المتحركة والحية التي أرسلت إلي من عدن الحبيبة التي اجتاحتها الأمطار والسيول وطالت كل أحيائها دون استثناء وأدت إلى إزهاق أرواح وجرح عشرات المواطنين كما جرفت عشرات المنازل ،والمشهد ذاته قد حدث في صنعاء !!
ومن أسباب ذلك الضرر البناء العشوائي واستلاب الأراضي في غياب فاضح للسلطة المحلية لشرعية الفنادق وكذا سلطة المجلس الانتقالي وهما وحدهما يتحملان هذه الفوضى العارمة !!
على من أبكي يا وطني؟ هل أبكي على الجنوب كله أم على عدن وحدها ؟ هل أبكي على صنعاء أم على دمشق؟ أم على بغداد ، أم على وطني الأكبر من البحرين حتى تطوان ؟
لن تكفيك يا وطني الأكبر أنهار الدنيا كلها لتغسل أحزانك ...لن تكفيك أمطارك الموسمية وسيولك الجارفة لتمحو آثار الدماء التي تخضبت بثراك وعجنت بالقهر والألم والجوع والمرض..!!
فالقدس تكاد أن تمحى من الذاكرة ، وصوت الأذان فيها حزينا متعبا وكنائسها تدق أجراسها وتراتيلها كأنها تبكي ..ومدنك العريقة يلفها الحزن والسواد !!
بعد أن تشرذم الوطن الكبير فأصبح الوطن الواحد أوطانا مشرذمة ومهلهلة
ومتناحرة طائفياً....كنا خير أمة أخرجت للناس وأصبحنا أمة القيل والقال والثرثرة، وتنابلة السلطان،وحلفاء الشيطان وعبدة الجهل والغباء.
أعداؤنا يقتلوننا بأموالنا ومن ثم ندفع لهم ثمن قتلنا لبعضنا على اعتبار أنهم جاءوا لإنقاذنا ونصرتنا. حاكوا لنا أثواب الموت وتركونا ننحر بعضنا البعض .
حزين عليك يا وطني الكبير، كلما مشيت ...في عيوني أراك على الشاشات أكواما من الأجساد محروقة، وعلى أرصفة التشرد تئن وجعاً وجوعاً. لم أعد أقوى على النظر إلى وجوه البائسين الذين يلتحفون السماء وتسيل دموعهم في عتمة الليل ويعكسها ضوء القمر وبريق النجوم ..
عقول رجالك متعبة عندما فرطوا فيك يا وطني لعلها صحوة ضمير ويشعرون بالحسرة والندم بعد أن أدعى كل منهم أنه الأجدر بالوصاية عليك ويتمنون اليوم الموت والنوم السرمدي حتى قيام الساعة ولسان حالهم يقول :
لنعترف بأننا قوم سوء مجانين، مجرد دمى تحركنا أصابع أجنبية. نرقص لهم فوق جراحنا، نهرج لهم نجعلهم
يضحكون ويرقصون على أجسادنا الميتة ، جاءوا إلى بلادنا بحجة الدفاع عنا، أغلقوا حدودهم وحصنوها من القتل، تركوا
شعوبهم في رغد ونعيم وسحبوا الدمار نحونا. جعلوا من أرضنا منطقة لتصفية الحسابات التاريخية.
هكذا هم يفعلون بنا نحن الدمى والمغلوب علينا. لا يريدون للدم أن يجف لحظة واحدة
أشعلوا نار الحقد والثارات في الوطن العربي وسعروا تنور الموت، وقالوا لنا كونوا حطب جنهم أيها العرب الجاهلون.
يقولون كتبنا الكثير وسوف نكتب الكثير ولا شيء سوف يتغير سوى موت الإحساس وفناء الضمير. نحن في سبات عميق.
لن نصحو من غفلتنا لأننا أصلاً لا نعرف ماذا نريد من هذه الحياة. خلقنا ولم نفهم حقيقة خلقنا، أصبحنا كالأنعام بل
أظل سبيلا. هل تساءلنا يوماً لماذا الإرهابيون لا يكونوا في بلاد العالم الآخر وهم على زعمهم الكفار والملحدين؟ لماذا؟!!
هم فقط في بلادنا؟ أمريكا وروسيا وإيران وتركيا شعوبهم تعيش في ترف ورفاهية لكنهم يشنون الحرب والدمار على
بلادنا، يقتلوننا بأموالنا، يخربون بلادنا ويبقون بلادهم في سلام .
آهٍ على اليمن لقد لبس الحداد، مذ قتلَ قابيل أخاه هابيل؛ وكأنما الغراب دفن الموت والحزن في أرض اليمن فلو نبشت
في قبور الأولين، واعتصرت ذاكرة التاريخ كلها؛ لن تجد يوماً كاملاً بالفرح، قد مر على اليمن ؛ ليجلس بالقرب من أسوار
صنعاء ، ولم يلثم الابتسام ثغر صهاريج عدن ليلة.ولم يشرق يوم على مأرب أو تعز إلا ونحن من حرب إلى أخرى، ومن طاغية إلى ديكتاتور!!
أصبح لدينا في كل مدينة كربلاء تسربلت بالسواد وأهلها يطَّوفون بالشموع، ونساؤها متشحات بالسواد وتهطل دموعهن بالبكاء كالمطر !!
د.علوي عمر بن فريد