هاني مسهور يكتب:
عدن.. تحت «طربوش العثملي»
الثلاثون من يونيو 2013 لم يكن يوماً فاصلاً في مسيرة الشعب المصري بل كان يوماً حاداً في تاريخ الأمة العربية والإسلامية كلها، ففي ذلك اليوم الذي زحفت فيه ملايين المصريين لاقتلاع حكم تنظيم «الإخوان» كان الموقف العربي الصارم بدعم قرار الشعب المصري قاطعاً ولا يقبل أنصاف حلول مع مشاريع تدمير العالم العربي، وتحطيم كل تلك المشاريع على تخوم العواصم العربية ذات الأسوار العالية، فقد كان قرار الرياض وأبوظبي حاسماً بتأييد الثورة المصرية.
كان حدثاً له تبعاته فإسقاط حكم «الإخوان» في مصر أوجد متغيراً في توازنات القوى الإقليمية وحتى الدولية، ولم يكن أمام العرب سوى مواجهة المطامع الإيرانية والتركية بكثير من الحزم، وكذلك العزم على تحطيمها وتجنيب البلدان العربية مخاطر الإنزلاق في مشروع تفتيت العالم العربي.
سقطت بغداد ودمشق وبيروت وأُنقذت القاهرة، وكانت عدن بوابة عربية على أسوارها كان للعرب ملحمة ستبقى خالدة تتوارثها الأجيال كما يتوارث العرب مجدهم الخالد في معركتهم الخالدة في ذي قار عندما انهزم الفرس وكتب العرب أول انتصاراتهم على المطامع الفارسية.
الجنود السعوديون والإماراتيون كانوا إلى جانب المقاومة الجنوبية على الثغر العربي من جنوب شبه الجزيرة العربية يكسرون أنياب المطامع الفارسية التي كانت قد التهمت صنعاء وكافة مدن شمال اليمن من دون مقاومة تذكر، سقطت المدن التي كانت تمتلك السلاح والقوة من دون طلقة رصاص واحدة لتكون عدن الفرصة الأخيرة لكسر تلك الأنياب الطامعة.
تحقق النصر العربي في عدن غير أن تلك المدينة لم تطوِ كل الصفحات من فصول معاركها مع ما تبقى من مشروع ما يسمى «الربيع العربي»، فبعد التحرير خاضت المدينة صراعاً آخر عندما حاول الأتراك العودة إلى خليج عدن عبر اختطاف المؤسسة الشرعية اليمنية وتغيير تركيبتها التي كانت بعد المبادرة الخليجية.
لم يكن التغيير في تركيبة المؤسسة السياسية الشرعية عملاً من دون أجندات خلفية بل كان ضمن نطاق مخطط واضح ومحدد الأهداف، فالغاية هي أن يبقى جنوب الجزيرة العربية في نطاق السيطرة الإيرانية والتركية كتهديد مستدام للحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، مع توسع للقواعد التركية في الشرق الأوسط بعد المقاطعة العربية لدولة قطر الداعم والممول لمشاريع الإسلام السياسي في المنطقة العربية.
إذن كافة منطلقات المشاريع المناهضة استوجبت العودة إلى عدن بوابة لها طبيعتها الجيوسياسية في المنطقة، وتأكيداً لكل هذه التقاطعات فما نشرته صحيفة نيويورك تايمز في نوفمبر 2019 من وثائق الاستخبارات الإيرانية والتي أكدت أن اجتماعات تمت بين الحرس الثوري الإيراني والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين في تركيا حدد أهمية الوجود في جنوب الجزيرة العربية لتهديد الأمن السعودي مباشرة.
متغير آخر حدث بسقوط حكم «الإخوان» في السودان ما أسقط معه مشروع الوجود التركي في غرب البحر الأحمر ما غير من قواعد اللعبة، وجعل من الأتراك يضغطون باتجاه عدن، خاصة وأن التباينات السياسية في عدن أفرزت هي الأخرى وقائع مستجدة مع الرفض الجنوبي القاطع لكافة أنواع الإسلام السياسي في محافظات الجنوب اليمني سواء شيعية كانت أو سنية موالية لإيران أو تركيا.
وهذا يفسر تماماً صعوبة تنفيذ اتفاق الرياض، فلن تتخلى تركيا عن مكاسبها السياسية بعد أن سيطر حزب «التجمع اليمني للإصلاح» على كافة المؤسسات السياسية في اليمن، وذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك بتسليم كافة الجبهات العسكرية في محافظات الجوف ومأرب لـ«الحوثيين» لتضييق الخناق على المحور العربي في إطار مقايضة يرى فيها الأتراك فرصة الدخول إلى خليج عدن عبر أدواتهم في الحكومة اليمنية على غرار ما فعله رئيس «حكومة الوفاق الليبية» بدعوة تركيا للتدخل في الملف الليبي، وهذا ما تراه أنقرة مطلوباً من حكومة الشرعية اليمنية، أي إيجاد المسوغ للتدخل التركي في خليج عدن وإخضاع باب المندب لإرادة «العثملي» صاحب الطربوش الأحمر.