الحبيب الأسود يكتب:

وجه مشرق للحجر الصحي

عادت الطيور إلى أجواء المدن، تراقص أغصان الأشجار التي بدت أكثر اخضرارا، لتكشف عن تحّول بيئي مفاجئ نحو الأفضل نتيجة قرارات الحجر الصحي وحظر التجوال للتوقي من انتشار فايروس  كورونا.

قبل أشهر من الآن لم يكن نشطاء البيئة والمهتمون بشؤون المناخ يطمحون إلى ساعة في الشهر أو حتى في العام، تتوقف فيها المداخن عن إطلاق الملوثات بشتى أنواها، اليوم تحققت المعجزة، وشهدت أغلب دول العالم، وخاصة المصنعة منها، توقفا شبه تام لحركة المصانع والطيران والطرقات، الأمر الذي سرعان ما أثّر إيجابيا على البيئة والمحيط.

سجل الخبراء ظهور مؤشرات التعافي على طبقة الأوزون، ما سيعيد بعض التماسك إلى جبال الجليد في القطب الشمالي بعد أن كانت تتجه للذوبان وتهديد الوضع المناخي على الكرة الأرضية. وكالة كوبير نيكوس الأوروبية لمعلومات المناخ، قالت إن ثقب الأوزون الواقع في طريقه للانغلاق بسبب انخفاض معدلات التلوث. واكتشفت الأقمار الاصطناعية انخفاضا بنسبة 35 في المئة من ثاني أوكسيد النيتروجين فوق الصين، التي يؤدي تلوث الهواء فيها إلى وفاة مليون شخص من أبناء شعبها سنويا، من بين 4.2 مليون على مستوى العالم، وقدرت دراسة لخبير الموارد البيئية، مارشال بورك، عدد الأرواح التي نجت بسبب الحد من التلوث في الصين خلال شهرين، بـ4000 طفل دون سن الخامسة، و73 ألف بالغ فوق سن الـ70 عاما.

الأسابيع الماضية شهدت كذلك ارتفاعا مهما في جودة الهواء خاصة في المناطق المتضررة بشدة مثل ووهان الصينية وشمال إيطاليا، بالإضافة إلى عدد من المناطق الحضرية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وفي إسبانيا تراجعت مستويات التلوث في أكبر مدينتين وهما مدريد وبرشلونة إلى أكثر من 60 في المئة خلال الأيام الأولى للحجر الصحي، وفي أجواء نيويورك انخفضت نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون إلى 50 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي بالتزامن مع انخفاض نسبة غاز الميثان كذلك.

وبسبب الحجر الصحي، استعادت البيئة بعض توازنها، خصوصا مع تراجع الصيد الجائر، فالحيوانات البرية ظهرت في مدن عدة من العالم. الغزلان في اليابان والقردة في تايلاند والخنازير البرية في الولايات المتحدة، ولاحت الأسماك والدلافين وطيور البجع في الممرات المائية لمدينة البندقية الإيطالية بعد أن عاد إليها صفاؤها وظهرت، بشكل لم تعرفه منذ الحرب العالمية الثانية، وشهدت أغلب مدن العالم عودة الطيور إلى التحليق في أجوائها بشكل غاب عنها منذ عقود، كما استطاعت الأجيال الجديدة في بعض المناطق اكتشاف قوس قزح لأول مرة في سماء خالية من التلوث.

تشير تقارير عدة إلى أن عدد الوفيات خلال فترة الحجر الصحي كان أقل من نظيره في السنوات السابقة، خصوصا مع تراجع حوادث السير والشغل والصراعات المسلحة، وتراجع مستويات التلوث.

لكن ذلك غير كاف، ففي يوم 22 أبريل الجاري الذي يفترض أن يحتفل فيه العالم ككل عام بيوم الأرض، أكدت منظمة غرين بيس – إسبانيا غير الحكومية، على ضرورة الاهتمام أكثر بكوكبنا، لاسيما في ظل السياق الحالي للأزمة الصحية الناتجة عن تفشي جائحة كورونا، على اعتبار أن الكوكب يعاني من بعض الظواهر المناخية السلبية “مثل الاحتباس الحراري أو خطر الانقراض الذي يهدد مليون نوع”. وحذرت من أن حالة الطوارئ والحجر الصحي الشامل التي تم اعتمادها للتصدي لتفشي وباء كورونا المستجد “لن تشكل حاجزا كما لن تحد من تدهور الأرض وتجاوز كل حدود الاستنزاف”.

خبراء البيئة يرون أن البشر تجاوزوا كل حدود العدوان على البيئة والمناخ، حتى أن شهر يناير الماضي كان الأكثر سخونة وحرارة على الإطلاق في العالم، وقد يأتي الصيف بحرارة استثنائية لم يسبق للبشرية أن عرفت مثيلا لها، وهم وإن لاحظوا أن هناك نتائج إيجابية للحجر الصحي على البيئة والمناخ، إلا أن ما يجعلهم في حالة إحباط هو أن العالم لم يخطُ هذه الخطوة بإرادته أو بوعي منه بالأخطار التي تتهدد كوكب الأرض، وإنما لأنه كان مجبرا على ذلك بسبب الفايروس المستجد.