بابكر فيصل يكتب:

الإخوان.. يتباكون على حل منظمة الدعوة

استنكر الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الدكتور علي القره داغي، في تصريحات صحفية القرار الذي أصدرته لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال بالسودان والقاضي بحل "منظمة الدعوة الإسلامية" معتبرا أن "القرار لا يخدم الشعب السوداني والشعوب الأفريقية المحتاجة إلى خدمات إغاثية وتنموية، بل لا يخدم سوى أعداء الإسلام والسودان".

وكانت لجنة إزالة التمكين قد أصدرت في العاشر من هذا الشهر قرارا بحل وإلغاء تسجيل منظمة الدعوة الإسلامية وحجز واستعادة ممتلكاتها وأصولها داخل السودان وخارجه لصالح الدولة وإلغاء سجل الشركات المملوكة للمنظمة ومشاريعها الاستثمارية والغاء اتفاقية المقر وإغلاق مكتب السودان.

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين هو مؤسسة تتبع للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين وقد قام بتأسيسه الشيخ يوسف القرضاوي في عام 2004 وظل يترأسه حتى عام 2014 حيث تم استبداله بالمغربي أحمد الريسوني.

يعرف السودانيون أن الأغراض التي أنشئت من أجلها منظمة الدعوة لم تكن هي العمل على نشر الإسلام وقيم التسامح وإعانة الفقراء في أفريقيا، كما يدعى الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بل كانت تنفيذ برامج وأهداف تنظيم الإخوان المسلمين، ويعلمون كذلك أن البيان الأول للانقلاب العسكري الذي قام به التنظيم في يونيو 1989 قد تم تسجيله داخل مباني المنظمة.

أما ارتباط منظمة الدعوة بالحركة الإسلامية (الفرع السوداني لتنظيم الإخوان المسلمين) فقد وثقت له أقلام قيادات الحركة، حيث ذكر زعيمها الراحل، الدكتور حسن الترابي، في كتابه "الحركة الإسلامية في السودان: التطور والمنهج والكسب" أنهم اهتموا بجنوب السودان وأنشأوا منظمة الدعوة الإسلامية لتحدي التبشير المسيحي "وتكثيف العمل الاجتماعي الطوعي ليستوعب طاقات الشباب المقبلين على الحركة في ظروف لا يتيسر فيها التغيير السياسي الكامل".

من جانبه، تحدث القيادي بالحركة الإسلامية، المحبوب عبد السلام عن نشأة المنظمة بعد المصالحة التي جرت بين الإخوان ونظام الرئيس الأسبق جعفر النميري وقال في كتابه "الحركة الاسلامية السودانية ـ دائرة الضوء خيوط الظلام": "أتاحت هدنة الحرية [مع النميري] ازدهار عمل الواجهات التي تنفذ الحركة عبرها بعض برامجها، فقد توسع عمل منظمة الدعوة وانتشرت فروعها واستقل ذراعها الاقتصادي، وامتدت وكالتها للإغاثة حتى بيشاور على الحدود الباكستانية الأفغانية".

بعد أن ساءت علاقة إخوان السودان بالأنظمة العربية في أعقاب غزو العراق للكويت، تراجع عمل المنظمة بسبب شح التمويل وهو الأمر الذي أوضحه المحبوب بالقول: "أصابت كذلك العلاقة العربية المتدهورة المؤسسات الانسانية والتعليمية التي أنشأتها الحركة بدعم الأنظمة العربية لا سيما الخليجية، وقد وقع أكبر الضرر على منظمة الدعوة الإسلامية وذراعها الإغاثي الوكالة الأفريقية الإسلامية للإغاثة".

كذلك أوضح القيادي البارز بالحركة الاسلامية بالسودان، الدكتور حسن مكي، في ورقة بعنوان "تجربة الحـركة الإســلامية في الســودان" كتبها بمناسبة مـرور ستين عـاما على تأسـيسها، الهدف من إقامة المنظمة في فترة حكم الرئيس نميري بالقول: "وفي إطار برنامج الرئيس النميري، سعت الحركة الإسلامية لإبراز مشروعات دعوية واقتصادية كمنظمة الدعوة الإسلامية والبنوك الإسلامية مع التغلغل في أجهزة الدولة لإعمال استراتيجية التمكين والشوكة في محاولة لتكون الوارث لنظام النميري".

الشهادات أعلاه من قيادات الإخوان المسلمين بمن فيهم زعيمها التاريخي تُظهر بجلاء أن منظمة الدعوة الإسلامية ليست سوى واجهة لتنفيذ برامج الحركة الاسلامية في إطار "استراتيجية التمكين والشوكة" التي اكتملت بالاستيلاء على الحكم عبر الانقلاب العسكري وإقامة دولة التمكين الإخواني التي استمرت لمدة ثلاثين عاما حتى سقطت بثورة شعبية عارمة اندلعت في ديسمبر 2018.

قد أصبحت منظمة الدعوة بمثابة دولة داخل الدولة بفضل النفوذ الكبير والامتيازات (الإعفاءات الضريبية والجمركية) التي تمتعت بها في ظل دولة التمكين الإخوانية حتى تحولت إلى إمبراطورية رأسمالية تمتلك عشرات الشركات فضلا عن المباني والعقارات والمساحات الشاسعة من الأراضي السكنية والمشاريع الزراعية والأعمال التجارية.

وكانت لجنة إزالة التمكين قد أشارت في حيثيات قرار الحل إلى أن القانون الخاص بمنظمة الدعوة لا تتمتع به أي منظمة شبيهة أخرى، حيث تم منحها حق التعامل بالنقد الأجنبي ونقل الأموال داخل وخارج السودان كما أنها أعطيت حصانة تفوق الحصانات الدبلوماسية.

من المؤكد أن قرار حل المنظمة يصب في مصلحة السودان ذلك لأنها كانت إحدى الأدوات التي اعتمد عليها الطاغية المستبد عمر البشير

من ناحية أخرى، ظلت الحكومة تمنح الشركات التابعة لمنظمة الدعوة (ضمن شركات الحركة الإسلامية الأخرى) الحق الحصري في تنفيذ المشاريع الحكومية دون إتباع القواعد والإجراءات الرسمية من مناقصات وعطاءات تضمن تكافؤ الفرص بما تشمله من تقديم أفضل الأسعار وضمان جودة المواصفات، وهو الأمر الذي أضر كثيرا بمبدأ المنافسة الحرة وانعكس سلبا على الاقتصاد السوداني بصفة عامة.

تحولت المنظمة وأذرعها الإغاثية إلى أوكار للتجسس، وأدوات لنشر أفكار الإسلام السياسي في عشرات من البلدان التي تعمل بها في آسيا وأفريقيا، ذلك لأن الكادر العامل بالمنظمة ينتمي بأكمله لتنظيم الحركة الإسلامية الذي يتبنى أيديولوجية عابرة للحدود لا تؤمن بالأوطان بل تسعى لدعم التنظيمات الشبيهة من أجل الوصول لأهدافها.

وإذ يدعي القرة داغي أن قرار حل المنظمة "لا يخدم سوى أعداء الإسلام والسودان", فهو يتجاهل كل أقوال قيادات الحركة الإسلامية التي ثبتناها في صدر هذا المقال والتي تؤكد أن المنظمة ليست سوى واجهة للحركة مما يعني أن نشاطها يخدم في المقام الأول أجندة تنظيم سياسي وليس الإسلام وبالتالي فإن الإسلام لن يتضرر من قرار حلها بل المتضرر الأول هو الحركة التي أنشأتها.

على العكس مما يقول الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فمن المؤكد أن قرار حل المنظمة يصب في مصلحة السودان ذلك لأنها كانت إحدى الأدوات التي اعتمد عليها الطاغية المستبد، عمر البشير، في تثبيت أركان حكمه الفاسد الذي كبت الحريات ودمر اقتصاد البلاد وأدخلها في دوامة الحروب الأهلية حتى هبت الجماهير في وجهه وأسقطت نظامه بثورة شعبية عارمة.

نُشر في شبكة الشرق الأوسط للإرسال