هاني مسهور يكتب:

الأطماع الأردوغانية من ليبيا إلى عدن

بعد أن أسقط الشعب المصري حكم «الإخوان» في ثورة الثلاثين من يونيو 2013، كشفت تركيا عن مخططها بالرغبة الجامحة في فرض هيمنتها على العالم العربي. وإنْ تسارعت الخطوات التركية بعد إعلان المقاطعة الرباعية العربية لدولة قطر في يونيو 2017، فلقد أظهرت تركيا، بشكل واضح، استراتيجيتها باستهداف الدولة الوطنية في مصر والسعودية، من خلال سلسلة أزمات شكّلت فيها تركيا الإسناد، سواء في محاولتها توظيف مقتل خاشقجي، أو التنقيب عن الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط.

التحول في المنطقة حدث بعد الثورة الشعبية في السودان، التي أسقطت حكم «الإخوان» بعد ثلاثة عقود من الحكم، فبسقوط حكم «الإخوان» في السودان، سقطت خطة التنظيم الدولي بتشكيل طوق يحيط بالقُطر المصري، على اعتبار مصر هدفاً استراتيجياً للتنظيم، غير أن سقوطهم في السودان أدى لتغيير استراتيجية الاستهداف بشكل دراماتيكي، فاندفع الرئيس التركي لتعزيز نفوذ «إخوان» ليبيا بشكل مباشر.

في هذا الإطار توسعت الأطماع التركية، خاصة بعد أن نجح ذراع التنظيم في تونس في الحصول على التغطية الانتخابية، والإمساك على رأس السلطة التشريعية، بتولي الغنوشي منصب رئيس البرلمان التونسي، مما يجعل تونس حديقة خلفية للرئيس التركي، يستطيع من خلالها توسيع نفوذه على طول سواحل شمال أفريقيا، وإن وجد ممانعة من الجزائر التي أوصدت الأبواب مبكراً في وجه أردوغان.

التحرك التركي باتجاه تشديد الخناق على مصر تزايد أكثر مع إسقاط العهد السوداني الجديد لاتفاقية سواكن في البحر الأحمر، سقوط تلك الاتفاقية دفع الأتراك باتجاه عدن، كواحدة من أهم أهداف التنظيم الدولي لجماعة «الإخوان»، وفقاً للتفاهمات مع الحرس الثوري الإيراني. وتبدو عدن نقطة قوة مزدوجة للرئيس التركي، فإخضاع عدن يعني تهديداً للسعودية ومصر معاً، لذلك تزايدت التحركات من قبل ذراع تنظيم «الإخوان» في اليمن أيضاً، لتحويل عدن وسواحل الجنوب العربي إلى حديقة خلفية للأتراك، ليمكنهم الضغط على القرار السعودي والمصري.

تتأرجح عدن في صراع الاستقطابات، فعلى رغم الدعم العربي الذي حصلت عليه في هزيمة المشروع الإيراني، غير أنها لا تحظى بذات الدعم في مواجهتها للأطماع التركية، مع انكشاف الأوراق التركية، خاصة بعد التلويح باستخدام القاعدة التركية في الصومال لإسناد القوات الموالية لحزب «التجمع اليمني للإصلاح»، الذي يحاصر عدن من نهاية العام 2019.

وفيما يخوض الجيش الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، معركة طرابلس، ويحاول استعادة العاصمة العربية من بين المخالب التركية، يتسع نفوذ تركيا السياسي في تونس بشكل ينذر بمخاطر جسيمة على الوضع في شمال أفريقيا الذي يتهدد من خلايا التنظيمات الإرهابية، كـ«القاعدة» و«داعش»، ومدى ارتباط النظام التركي بهذه التنظيمات في سوريا واليمن.

غياب الاستراتيجية العربية في مواجهة التدخلات التركية، كان أحد أهم مسببات مواصلة تركيا لتدخلاتها، في تكرار يشابه إلى حد بعيد التدخلات الإيرانية التي غاب عنها العمل العربي المشترك منذ سقوط النظام العراقي عام 2003، وحتى وصل التدخل الإيراني أقصاه بسقوط أربع عواصم عربية (بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء)، ولولا الدور العربي، لكانت عدن العاصمة العربية الخامسة تحت النفوذ الإيراني.

(قد) يكون على كل من خليفة حفتر وعيدروس الزبيدي المسؤولية الأولى في تشكيل حلف سياسي يتقدم بشكوى موحدة لجامعة الدول العربية، يتم فيها الطلب من دول الجامعة دعم جهود العاصمتين طرابلس وعدن، لمواجهة الأطماع التركية، وبناء استراتيجية عربية موحدة لوضع حد للتدخلات التركية والتي وإن كانت تستهدف عدن وطرابلس، لكنها في الحقيقة تستهدف العمق العربي المتمثل في الرياض والقاهرة، كعاصمتين تشكلان مركز القرار والقوة العربي.