هل تنتهي الحرب في سوريا بغياب قطر؟

حين اجتاح الجيش العراقي الكويت صيف عام 1990 انتهت الحرب الأهلية في لبنان. ومع فرض القطيعة على قطر تنتهي الآن الحرب في سوريا.

أيحدث ذلك لأن المنطقة لا تتحمل أزمتين ضاريتين في وقت واحد؟

في كلا الحالتين هناك مفاجأة صاعقة سببت الذهول للكثيرين. لم يكن أحد يتوقع أن يلجأ العراق إلى احتلال بلد عربي وهو الذي سبق له وأن ضرب الأراضي الإيرانية بمئة صاروخ أرض ــ أرض في يوم واحد ثأرا لما تعرض له أمير الكويت جابر الأحمد الصباح من محاولة لاغتياله.

كذلك الأمر بالنسبة لما جرى ويجري لقطر.

فالدولة الخليجية الصغيرة التي صارت تتباهى بقدرتها على التحكم بالجماعات المسلحة المقاتلة في سوريا ما كان لأحد أن يتوقع أن تتصدى لنهجها الخطير دول خليجية اعتادت أن تمرر سياستها بصمت.

صدمة الآخرين بما جرى لا تقل وقعا عن صدمة قطر.

لا تصدق قطر أن اشقاءها يقاطعونها بسبب علاقتها الشائكة بالجماعات المتشددة وفي مقدمتها جماعة الاخوان المسلمين.

لا تصدق قطر أن تُلام لأنها مدت خطوطا تصل بينها وبين حزب الله والقاعدة وإيران وطالبان والميليشيات الشيعية في العراق معا.

اما على صعيد العمل التطوعي في سوريا الذي أنفقت قطر من خلاله مليارات الدولارات فلا أحد في إمكانه أن يصدق أن أطرافا أخرى غير روسيا ستفصح عن استيائها وغضبها منه وتلجأ إلى توبيخ قطر، بل والتلويح بمعاقبتها بسببه.

ما جرى يمكن اعتباره فوق المعقول. أثره يذكر بأثر خبر احتلال العراق للكويت، مع فارق يبدو لأول وهلة بسيطا، غير أنه في جوهره قوي التأثير في مستقبل المنطقة برمتها. ذلك لأن منع قطر من الاستمرار في دورها المعلن في رعاية ودعم الجماعات الإرهابية المسلحة سيؤدي بالضرورة إلى تقليص عمل تلك الجماعات وصولا إلى القضاء عليها. وهو ما صار أمرا ملحا، من غيره ستلتحق كل دول المنطقة بجحيم العراق وسوريا وليبيا.

كانت المنطقة في حاجة إلى صدمة من ذلك النوع لكي تفيق.

هناك عنف سائب، يتلقى صانعوه الدعم المالي مكافأة لهم للاستمرار في نشر الفوضى التي لم تعد خلاقة. في المقابل هناك ملايين مشردة من البشر ومدن تاريخية عظيمة صارت أطلالا وأجيال سُلمت إلى الجهل والفقر والمرض واليتم وهو ما يصنع قاعدة متينة للحقد والكراهية وصولا إلى الإرهاب.

أيُعقل أن نستمر في تلك الدوامة إلى ما لا نهاية بذريعة القرار السياسي المستقل الذي هو حجة قطر في دفاعها عن نفسها؟

هل يُعقل أن يدفع الشعب السوري ثمن تمتع القطريين بحريتهم في إنفاق أموالهم بالطريقة التي ترضي أهواءهم؟ في الأمر ما يدعو إلى المساءلة على المستوى الإنساني قبل المستوى السياسي. ولقد حان زمن تلك المساءلة.

ومثلما تمت مساءلة نظام صدام حسين تجري اليوم مساءلة قطر.

ألم تكن قطر مستعدة لهذا اليوم؟

لا أعتقد أن من الإيجابي أن يدافع المرء عن علاقته بجماعة ارهابية من نوع جماعة الاخوان المسلمين بالاستناد إلى مفاهيم الديمقراطية وحرية التعبير. هذا ظلم وتدنيس وتزييف للحقيقة. فالجماعة التي حظيت بمباركة وعاطفة وأموال قطر لا تؤمن بالديمقراطية حلاً ولا يمكن أن تجمعها بالحرية صلة. ناهيك عن انها وإن اتخذت من الدين غطاء فإنها لا ترى في الدين إلا وسيلة للوصول إلى الحكم. هي في الأساس جماعة سياسية وهو ما تعرفه قطر جيدا حين تدافع عن شرعية حكم الجماعة في مصر على سبيل المثال.

ما صار واضحا أن لا أحد يرغب في الحاق الضرر بقطر. غير أن كف يدها عن العمل بما يُلحق الضرر بالآخرين صار مطلبا ملحا، سنرى أولى ثماره في نهاية الحرب في سوريا.

قطر اليوم مضطرة إلى الالتفات إلى نفسها فهي تمر بوقت عصيب، وهو ما يحتم عليها تغيير نهجها العدائي. حينها ستنهار الجماعات المسلحة التي لا تزال تقاتل في سوريا مدعومة بالمال القطري.

غياب قطر طرفا في تلك الحرب سيكون من شأنه أن ينقذ ما تبقى من سوريا.