الحبيب الأسود يكتب:
الشعب الليبي وشرعية جلب الغزاة والمرتزقة
بات على الشعب الليبي أن يدفع غاليا ثمن الموازين المختلة للشرعية الدولية، وأن تهدر دماء أبنائه وتزهق أرواحهم إرضاء لنزوات القوى الكبرى، وتحقيقا لأطماع المافيات الإقليمية والدولية التي لا تنظر إلى ليبيا إلا كبحيرة نفط وغاز وأموال مجمدة في المصارف الأجنبية وأرض شاسعة يمكن أن تتحول إلى مخابر للفوضى الخلاقة في المنطقة.
لا يزال العالم يوهم نفسه بوجود شرعية في طرابلس لحكومة الوفاق، تلك التي لم ينتخبها أحد، ولم تحصل على شرعية الشارع ولا على تزكية البرلمان، ولم تنفذ أهدافها التي وجدت من أجلها، وتلك التي انتهى أجلها الموثق في اتفاق الصخيرات منذ سنوات، وأصبحت أقرب إلى خلية إخوانية تنفذ أوامر قطر وتركيا، وتسيطر على مقاليد السلطة بسلاح الميليشيات.
ما حدث في الصخيرات في العام 2015 كان مؤامرة تلاعب فيها الفاعلون الإقليميون والدوليون بأعضاء البرلمان، وقامت فيها الحسابات والمصالح بدور كبير، ونفذت فيها أجهزة المخابرات دورها كما ينبغي من أجل إدامة الأزمة وتمكين الإخوان من تجاوز هزيمتهم الانتخابية، بينما كان هدف الأمم المتحدة تسكين الوجع بحبة أسبيرين دون عناء الاجتهاد للبحث عن أسبابه، والنتيجة أن حكومة الوفاق الفاقدة للشرعية، باتت دكتاتورية تعض بأنياب الميليشيات، وعندما قاربت من الفشل، التجأت إلى المشروع التوسعي العثماني الجديد، وقدمت ليبيا على طبق من ذهب لأردوغان الحالم باستعادة أرض أجداده تزامنا مع اقتراب الذكرى المئوية لانهيار الخلافة، تحت غطاء الشرعية الدولية المتهالكة، وأمام أنظار العالم، ينقل أردوغان الآلاف من المرتزقة من شمال سوريا، وأغلبهم من الإرهابيين إلى ليبيا، للقتال ضد الشعب والجيش الليبيين بزعم تنفيذ اتفاق مع الحكومة المعترفة بها دوليا، ومن البحر الأبيض المتوسط، تطلق البوارج التركية الرافعة لأعلام الناتو الصواريخ لقصف المدن والقرى الليبية.
استطاع الأتراك والقطريون والإخوان وأبواقهم والأموال المنثورة على أكثر من صعيد، الاستفادة من الواقع الدولي المضطرب والمهتز بسبب سياسات حكام مهووسين بالتنافس على قيادة العالم، فنشروا على نطاق واسع أكاذيبهم حول وجود نفوذ روسي، ومرتزقة من السودان، وطائرات من مصر في صف الجيش الوطني، ليحرضوا الأميركان والدول الغربية على القيادة العامة للقوات المسلحة.
وقدم دعاة الإرهاب وأمراء الحرب ومهرّبو البشر ولصوص المال العام وفلول القاعدة وداعش أنفسهم على أنهم حماة الدولة المدنية، وتم تسريب المبالغ الضخمة من تحت طاولات الحوار لشراء ضمائر فاعلين سياسيين وحقوقيين وإعلاميين مؤثرين في بلدانهم، وقامت دبلوماسية الصفقات القطرية والوفاقية والإخوانية بدورها، ليجني أردوغان ثمار ذلك، تدخلا سافرا يتحدى الجميع ويؤكد للمرة المليون أن الشرعية الدولية ليست سوى أكذوبة تدمّر الأوطان ولكنها لا تعيد بناءها، مجلس الأمن لم ينبس ببنت شفة إزاء العدوان التركي، وبعثة الأمم المتحدة تساوي بين جيش نظامي وبين ميليشيات، وبين الوقائع الموثقة وبين الإشاعات، وحلف الناتو يجد في مغامرة عضوه تركيا فرصة للتغلغل في جنوب المتوسط والانفتاح على الصحراء الكبرى، والاتحاد الأوروبي يواجه انقسامات في داخله، بسبب إرث التنافس الاستعماري القديم، والدول العربية بلا جبهة حتى تتصدع، وبلا صف حتى ينشق، وهي عاجزة عن مواجهة الحقيقة المؤلمة التي تؤكد أن ليبيا ليست سوى حلقة من سلسلة الطموحات الأردوغانية لاستهدافها جميعا، والاتحاد الأفريقي محترق من قبل المال القطري والبروباغندا التركية.
من يستطيع أن يواجه هذا الواقع؟ قد يسارع البعض بالقول إنه الشعب الليبي، ومن سواه؟ الواقع أن الشعوب قد تحتاج إلى وقت طويل لتستوعب القضايا الكبرى التي تتعلق بمصيرها. والشعب الليبي وإن كانت أغلبيته داعمة للجيش ومؤمنة بقضيتها، إلا أن ما حدث منذ العام 2011 إلى اليوم أثر سلبا في النسيج الاجتماعي، وأدى إلى تصدعات حتى داخل الأسرة الواحدة، وما الأصوات التي ظهرت خلال اليومين الماضيين لشق صفوف الجيش بزعم الولاء للنظام السابق، سوى تعبير عن غياب الوعي بمصيرية اللحظة وجسامة التحدي.
كما أن قيادة الجيش وقعت في أخطاء عدة منذ إطلاق عملية طوفان الكرامة لتحرير طرابلس في أبريل 2019، من أبرزها إضاعة الوقت وعدم استغلال الفرص لدخول العاصمة، وعدم التنبه إلى أن إدامة الحرب تخدم الميليشيات دون غيرها، وإطلاق الكثير من الوعود جزافا كساعة الصفر وساعة الحسم ولحظة التفويض لقيادة البلاد، والتفريط في مواقع كانت تحت نفوذ الجيش بدءا من غريان مرورا بصرمان وصبراتة والعجيلات والجميل والوطية وتيجي وبدر، بما يعنيه ذلك من جرائم ترتكب في حق من عرفوا بدعم مشروعه، وكشف الخطط العسكرية ومواقع تمركزات الجيش بالصوت والصورة ليتم استغلالها من قبل الطرف المقابل كما حدث مع منصة الدفاع الجوي في قاعدة الوطية، واستبعاد قيادات لفائدة أخرى أقل جدوى، وضعف الأداء الإعلامي، وإعطاء أهمية للرأي العام الدولي تبين أنها لا توجد في اعتبار حكومة الوفاق ولا الغزاة الأتراك.
إن ليبيا اليوم أمام لحظة المصير، وعلى قواها الحية والوطنية والمناهضة للتدخل التركي ولجرائم الإخوان وحكم الميليشيات وعمالة وخيانة حكومة الوفاق، أن تجتمع على هدف واحد وهو تحرير البلاد، من خلال دعم الجيش وتنظيم مقاومة شعبية فعلية وراء صفوف العدو، وتجاوز موضوع الشرعية الدولية إلى شرعية شعبية حقيقية، والتأكيد للعالم أن الجيش الوطني ليس شخصا كما يدعي الطرف المقابل وإنما هو مؤسسة وطنية بتراتبية نظامية وحرفية عسكرية تعود جذورها إلى نواته الأولى في العام 1939 مرورا بالعهدين الملكي والجماهيري، وصولا إلى عملية الكرامة وما بعدها.
وعلى المجتمع الدولي الذي كان وراء الأزمة منذ 2011، والذي غفل عن الإرهاب، وعن حكم الميليشيات، ونهب الثروات، وأغمض عينيه عن التدخل التركي وعن نقل الآلاف من المرتزقة من شمال سوريا إلى غرب ليبيا، وعن الجرائم المرتكبة في حق المدنيين، أن يكون هذه المرة إما في صف الشعب مصدر السلطات والشرعية، أو مع جماعات الإرهاب والمرتزقة المتدثرة باعتراف دولي فضفاض والمتحصنة بسلاح أرودغان ومرتزقته