د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

خيارنا حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدى !!!

يقول محللون سياسيون إن عودة عمليات التفجير والاغتيالات للكوادر الوطنية الجنوبية في عدن بات أمرا متوقعا وأن هناك من يريد خلط الأوراق لتأزيم الأوضاع الأمنية في عدن وإلقاء مسؤولية الاختلال الأمني على المجلس الانتقالي الجنوبي الحديث التكوين الذي يواجه قوى الشر والعدوان في جبهات الضالع وأبين وشبوة وحضرموت كما يواجه عاصفة من الانتقادات من السكان في عدن على تدهور الخدمات الأساسية من كهرباء وبنية تحتية أكل عليها الدهر ونام وتراكمت عليها سنوات من بناء العشوائيات أدت إلى تدمير البنية التحتية وعدم قدرتها على التحمل مع ما رافق ذلك كله من حملات إعلامية شرسة من القوى الظلامية في حزب الإصلاح وغيره من التيارات الانتهازية التي تريد احتواء الجنوب وإعادته إلى بيت الطاعة قسرا واستعادة مصالحها الضيقة مما جعل تلك القوى تتحالف مع الشيطان وبعض تلك العناصر للأسف المحسوبة على الجنوب !!..
وقد ذكرت (اليوم الثامن ) في صدر صفحتها أن عناصر مجهولة اغتالت أمس المصور العالمي نبيل القعيطي بجوار منزله بحي دار سعد بالعاصمة عدن . وقال شهود عيان أن مسلحين مجهولين أطلقوا النار على القعيطي أثناء خروجه من منزله صباح اليوم في منطقة دار سعد . وأفاد شهود عيان انه تم نقل القعيطي إلى مستشفى أطباء بلا حدود ولكنه فارق الحياة في المستشفى . ويعد نبيل القعيطي من ابرز مصوري الحرب التي شنتها مليشيا الحوثي على الجنوب في العام 2015 ووثقت عدسته الدمار الذي لحق بالمدينة، كما يعمل مصور للوكالة الفرنسية، وحصل على جائزة دولية قبل عامين . كما برز في تغطية أخبار معارك أبين، حيث تنقل في الجبهة لنقل الانتصارات الجنوبية في الجبهة . حادثة الاغتيال خلفت صدمة كبيرة في الوسط الصحفي بالعاصمة عدن، كون القعيطي يعد من ابرز المصورين الشباب والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي ويحظى بحب واحترام الجميع. عدن الجنوب!‍‍!
ومن المعروف أن جرائم الاغتيال السياسي تستهدف أشخاصاً مؤثرين في مجتمعاتهم مثل: زعماء سياسيين, قادة عسكريين, مفكرين, أدباء, مثقفين, صحفيين, ناشطين وخاصة من أبناء الجنوب , وتداعياتها وتأثيراتها تمتد إلى المجتمع بأسره.
والاغتيال السياسي فعل وحشي نقيض للسياسة, وللخير العام, وللتغيير, وللمستقبل.
وبعبارة أخرى: الاغتيال السياسي هو اغتيال للسياسة, وفتح نافورة الدم وسلوك مسالك العنف والتوحش.
إن لحظة الاغتيال هي لحظة يأس و قطيعة وبتر, لحظة اللاعودة, لحظة الانغماس في مستنقع الجريمة والتوحش, لحظة تمثل ذروة العنف والإرهاب!!
وجريمة الاغتيال السياسي هي صورة من صور الإرهاب؛ لأنها تستهدف أول حق طبيعي للإنسان المتمثل بحق الحياة, وتصفيته وإلغائه من الوجود, وتقوم على الغدر والخيانة.
وهي الابنة الشرعية لسياسة الاجتثاث والاستئصال, ومنتج من منتجات ثقافة الكراهية والاستعداء والتعصب, ودافعها تصفية الآخر المختلف بناءً على الرأي أو الانتماء, وفرض الرأي الواحد واللون الواحد والصيغة الأحادية تحت مسميات خرافية ثبت فشلها مثل الوحدة اليمنية الكاذبة التي أصبحت مثل حصان طروادة الذي يحمل داخله كل أدوات الاغتيال السياسي والحقد والكراهية و كل أدوات الانحطاط السياسي وإفلاس القوى التي تلجأ إليها, لأنها تفضح عجزها على مقارعة الحجة بالحجة والرأي بالرأي والفكرة بالفكرة, لذا تستدعي الجريمة لتصفية منافسيها من أبناء الجنوب خاصة الذين يدعون إلى فك الارتباط وهنا تتداعى وتتحد كل القوى الشمالية اليمنية مهما اختلفت وتباينت رؤاها فإنها تتفق كلها على حرب الجنوب وتاريخنا البعيد والقريب تاريخ صراع دام بكل معنى الكلمة!!
وإذا كان الصراع سمة الوجود ويشمل كل الظواهر وكل المجتمعات الإنسانية, فإن ما يُعاب عليه أن صراعاتنا لا تُدار أو تُحسم بطرق سلمية حضارية, بل بالعنف والإرهاب وتمارس النخب الشمالية عنفها ضد الجماهير, والقبيلي يمارس عنفه ضد المهمش, والرجل يمارس عنفه ضد المرأة, والأم تمارس عنفها ضد الطفل, والكبير يمارس عنفه ضد الصغير, والصغير يمارس عنفه ضد الحيوان ولكنها تتوحد ضد كل ما هو جنوبي الهوى والهوية وتسعى لتدميره ونهب أرضه وحقوقه بل وتلغي هويته وتستمر في مسلسل الاغتيال ونشر ثقافة الكراهية وسياسة الإقصاء والإبعاد والتهميش!!
أن الاغتيالات التي شهدتها مدن الجنوب وتزايدت وتيرتها منذ العام 2011م وخاصة في عدن ليست سياسة طارئة ولا معالجة أمنية مؤقتة ولا أسلوب مرحلي عابر، بل إستراتيجية ثابتة لدى القوى والنخب الشمالية التي هيمنت على السلطة أو تسعى إلى الهيمنة عليها ، إذ ظلت ترى في إرهاب وقتل الخصوم(الفردي والجماعي) وسيلة ناجعة للتخلص ممن تعتبرهم الأعداء والخصوم حسب ما تتطلبه المصلحة والحاجة الأمنية والسياسية وحتى الفكرية.
لقد ظل فعل الاغتيال السياسي حاضرا بقوة في المشهد السياسي والتاريخ اليمني الحديث منه والمعاصر، واستخدم بوصفه آلية من آليات التنافس أو الصراع الذي تستعمل فيه كل الوسائل للوصول إلى الهدف السياسي المتمثل بالزعامة أو الرئاسة أو الحصول على السلطة أو احتكار القوى الشمالية ..فمنذ الإطاحة بالنظام ألإمامي السابق في اليمن عام 1962م وخروج الاستعمار البريطاني من الجنوب عام 1967م وحتى تحقيق الوحدة اليمنية بين الشطرين في العام 1990م شهد اليمن سلسلة طويلة من الاغتيالات السياسية، نجم عنها تصفية قيادات تاريخية جنوبية كبيرة ووازنة شكل تغييبها عن الساحة الوطنية خسارة فادحة للمشروع الوطني في بلد ظلت تعصف به الصراعات السياسية، ومثلت الاغتيالات السياسية أبرز ملامح السياسات التي اتبعتها النخب الحاكمة بغرض إزاحة كل قوة متمثلة في توجهٍ أو تيارٍ أو شخصية تمثل خطا معارضا للنظام الحاكم أو النخبة المسيطرة على الحكم في صنعاء ، كما عُد نهج تصفية الحسابات مع الخصوم الجنوبيين عبر اللجوء إلى الاغتيال سلوكا عاما للنخب الحاكمة والسلطات السياسية في صنعاء ظلت تنتهجه عبر أجهزتها وأذرعها العسكرية والأمنية على الشخصيات السياسية والعسكرية والاجتماعية والفكرية الجنوبية المؤثرة ، باعتبار النشاط الذي تمارسه هذه الشخصيات يمثل خطرا ووجودا.و خلال الفتـرة الممتـدة مـن العـام 2003وحتـى العام2019م شهدت البلاد العديد من جرائم الاغتيالات والتي تزايدت وتيرتها وبخاصة في الجنوب كما ارتفع منسوبها بعد انقلاب جماعـة الحوثـي وحليفها الرئيس السابق وما أعقبها من دخول البلاد حرب أهلية في مارس 2015، وقد وثقت بعض التقارير الصادرة عن بعض المنظمات التي تُعنى بحقوق الإنسان المئات من جرائم الاغتيال(451) جريمة اغتيال شهدتها البلاد خلال الفترة 2014-2019م بحسب التقرير الصادر عن منظمة رايس رادار بعنوان: اليمن اغتيال الحق في الحياة!!
وفي الختام نقول ان كرامتنا ورجولتنا تأبى أن نعيش أذلاء نستجدي مشايخ الظلام وجنرالات صنعاء وأدعياء السلالية العنصرية الذين تعودوا أن تقبل الرعية أياديهم الملوثة ونقول لهم أننا لسنا من قطعانهم المستأنسة في حظائرهم ولم يعد بيننا وبينهم إلا ما ساقت مجاريها من الرصاص والبارود حتى يحكم الله بيننا بالحق وترجح كفة الميزان فإما كرامة وإما الموت أهون من الذل ولا نامت أعين الجبناء!!
د.علوي عمر بن فريد