محمد واني يكتب:
اعلام الوطن في خدمة الحزب القائد!
من بين القنوات الفضائية ومئات الجرائد والمجلات الحزبية في اقليم كردستان، لا يوجد اعلام يمكن ان نطلق عليه الاعلام المستقل أو الاعلام الحر ليمارس دوره في مقارعة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة ومعالجة الازمات التي تحيط بالبلد..
وكان بالامكان للاعلام الكردي الذي بدا اولى خطواته نحو "الديمقراطية" مبكرا وبمنأى عن املاءات السلطة المركزية في بغداد التي انسحبت من اقليم كردستان عام 1992، ان يضطلع بدور مؤثر في ترسيخ مباديء الديمقراطية في المجتمع العراقي بشكل عام وليس في كردستان وحدها ويكوّن بذلك نموذجا يقتدى به في العراق، ولكنه لم يقم بهذا الدور، لأنه في الأساس اعلام حزبي محدود يمثل اساسا مصالح الأحزاب في الإقليم. يتكلم باسمها ويدافع عن توجهاتها السياسية ويعمل على ترسيخ مبادئها في المجتمع. وللعلم لا توجد جريدة واحدة او قناة فضائية تمثل حكومة الاقليم. وكل القنوات الاعلامية الحزبية أو شبه حزبية تأخذ تمويلها من احد حزبي السلطة! كان للاقليم راديو وقناة فضائية اسمها هەرێم (الاقليم) ولكنها سرعان ما اختفت ولم يعد لها اثر. بينما توجد في العراق جرائد رسمية مثل جريدة "الصباح" وفضائية "العراقية" التي تمثل الحكومة العراقية.
اخطر من ذلك، أن عمل الاعلام الكردي ــ الذي هو في مجمله اعلام حزبي غير كفوء كما قلنا ــ بكل ما اوتي من دعم مالي وسياسي ان ينشر الثقافة الحزبية في المجتمع على انها الثقافة القومية الحقيقية، ونجح ان يختزل الوطن الكردستاني في الحزب ببراعة. فاصبح الحزب هو الوطن والوطن هو الحزب، والحزب هو الغاية والوطن ليس الا وسيلة! وبدلا ان يخدم الحزب الوطن انعكست الحالة وغدى الوطن وبمن فيه هو خادم للحزب! ومن الطبيعي وفق هذه القاعدة "الجدلية التدليسية" ان يدعي كل حزب انه هو الممثل الحقيقي للقضية الكردية الذي يمتلك الاحقية الشرعية "الثورية" لقيادة الاقليم والاخرين ليسوا على شيء!
وقد خسر المجتمع الكردي الكثير من جراء الصراع الحزبي "الاستنزافي" الطويل الذي تحول الى صراع عائلي بين العائلتين الطالبانية والبارزانية ودفع ثمنا غاليا من مكتسباته ودماء شهدائه ومستقبله. ومن اهم خسائره انه ظل لاكثر من تسعة وعشرين سنة من حكم العائلتين يراوح مكانه ولا يتقدم.
نفس السياسية الفاشلة تكررت داخليا وخارجيا باستمرارونفس الشعارات الخائبة ترفع وتردد ولا جديد، الامر الذي يظهر مدى ضحالة التفكير القومي والوطني عند قادة الحزبين الذين لو ارتقوا الى مستوى المسؤولية التاريخية واستغلوا الفرصة الذهبية التي وفرها لهم المجتمع الدولي بعد طرد العراق من الكويت عام 1991 ووضعوا مؤسساتهم الاعلامية الضخمة لصالح القضية الوطنية والتزموا المهنية، لقدموا اروع تجربة في الممارسة الديمقراطية الفتية في المنطقة كلها. ولكنهم ساروا بنفس الطريق الذي اعتادوا أن يسيروا عليه ايام النضال المسلح في الجبال! عنجهية فارغة وعصبية قبلية وعنصرية حزبية وخطاب سياسي متخلف ومتشدد، الأسلوب القديم الجديد الذي أثبت فشله على اكثر من صعيد.