محمد واني يكتب:

هل ينجح نيجيرفان بارزاني حيث فشل الآخرون؟

نشاط دبلوماسي مكثف وسريع قام به رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني لإذابة الجليد بين الحزبين المتصارعين والمهيمنين على سلطة الإقليم لفترة امتدت نحو 30 عاما، وهما الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني بزعامة بافل طالباني. ويكون بذلك قد نزع فتيل أزمة سياسية عميقة كادت تعرض السلم الأهلي إلى خطر محدق في الإقليم المثخن بالمشاكل الاقتصادية والسياسية والمثقل بالمؤامرات الإقليمية، والاستهدافات الإرهابية الداعشية والميليشياوية اليومية، والتجاوزات السافرة على حقوقه الدستورية من قبل الأحزاب الولائية الحاكمة في بغداد.

استطاع نيجيرفان في غضون يومين فقط وقف الحرب الإعلامية المشتعلة بين الحزبين، وتهدئة الأوضاع والتخفيف من حدة التوتر الناجم عن اختيار مرشح لمنصب رئيس الجمهورية. ومن ثم جمع قادة الجانبين على طاولة حوار واحدة، ليخرج بصيغة تفاهم أولية تقضي بنبذ الاختلاف والتفرقة تمهيدا لعقد اتفاق جديد يعيد ترتيب البيت الكردي وفق توافقات سياسية جديدة.

أثبت نيجيرفان أنه رجل دولة يتمتع بالقدرة على قيادة العراق إلى برّ الأمان، في حال قدر له أن يكون رئيسا للجمهورية. وقد طلب منه مقتدى الصدر، فعلا، أن يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية، في لقاء جمعهما في الحنانة نهاية شهر يناير 2022 بحسب القيادي في تحالف السيادة مشعان الجبوري. فهو شخصية تحظى بالقبول من الأكراد وكافة الشرائح السياسية والاجتماعية العراقية، السنية والشيعية على حد السواء. وما سرعة استجابة حزب طالباني والأطراف الأخرى لمبادرته السياسية إلا جانب من هذا التقدير الذي يحظى به رغم الاختلافات السياسية العميقة بين الحزبين.

وسارعت منظمة الأمم المتحدة، من خلال ممثلتها في العراق جنين بلاسخارت، إلى تأييد المبادرة التي لم تكن مبادرة واحدة بل عدة مبادرات: مبادرة لحل النزاع الداخلي في الإقليم، ومبادرة لتوحيد البيشمركة ودعوة الأحزاب والحزبين الرئيسيين ولأول مرة إلى سحب يدهما من البيشمركة وعدم زج المؤسسة العسكرية في الصراعات السياسية، ومبادرة أخرى لإنهاء الانسداد السياسي في العراق، وكذلك مبادرة للحكومة العراقية بالتعامل مع البيشمركة كجزء من المنظومة الدفاعية، مثلما ورد في الدستور، لا التعامل معها كقوة عسكرية هامشية خارج المنظومة.

رغم اعتراف الصدر بأن الأكراد تحولوا إلى هدف للقمع العراقي، لم يتحرك قيد أنملة لنصرتهم ورفع الحيف عنهم رغم دخوله في تحالف ثلاثي معهم

وأيضا دعوته لبغداد لحل الخلافات العالقة مع الإقليم وتخفيف الضغط المتواصل عليه، فلا يمر يوم دون أن تثير حكومة بغداد والميليشيات التي تتحكم في مفاصلها مشكلة جديدة مع الإقليم، تضاف إلى المشاكل الكثيرة التي تراكمت وتركت دون حل، وممارسة كل أنواع العداء السافر ضد أربيل التي تحولت إلى هدف دائم لأحقادها الطائفية والعنصرية.

وقد أقر الصدر بهذه الحقيقة في تغريدة له قال فيها “أربيل تحت مرمى نيران الخسران والخذلان، وتحت طائلة التجويع.. وكأن الأكراد ليسوا عراقيين. بل هم رئة العراق وجزؤه الذي ‏لا يتجزأ، ولن تركع أربيل إلا للاعتدال والاستقلال والسيادة”.

ورغم اعتراف الصدر بأن الأكراد تحولوا إلى هدف للقمع العراقي، لم يتحرك قيد أنملة لنصرتهم ورفع الحيف عنهم رغم دخوله في تحالف ثلاثي معهم.

بغداد ومعها الأحزاب والفصائل الولائية لا تكتفي بإيذاء أربيل والتعمد في تمريغ كرامتها في التراب فحسب، بل تريد أن تجردها من كل حقوقها الدستورية والقانونية وتلغي كيانها وتوقف تنميتها العمرانية وتحويلها إلى مدينة أشباح أسوة بباقي المحافظات الجنوبية.

وهي تستخدم المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لمحاربتها والنيل منها، البرلمان والمحكمة العليا وهيئة الإعلام والقنوات الفضائية الحكومية وهيئة النزاهة والوزارات المالية والنفط.. وتستخدم كل وسيلة لقمعها؛ فرضت الحصار عليها منذ 2014، وقطعت الميزانية ورواتب الموظفين عنها، واستهدفتها بالصواريخ والطائرات المسيرة،  إضافة إلى قائمة لا حصر لها من العقوبات العدوانية الجماعية.

لا شك أن نيجيرفان يدرك صعوبة التوصل إلى اتفاق قطعي ونهائي مع بغداد في ظل هيمنة الفصائل الإرهابية التي تشكل دولة قوية عميقة داخل الدولة العراقية، لكنه مع ذلك يواصل مخاطبة السياسيين في الدولة الرسمية، طالبا منهم أن يبادروا إلى السلم السياسي ومنع المتطرفين في إثارة الضغائن والأحقاد الطائفية والعنصرية ضد الأكراد وإقليم كردستان. فهل ينجح في مسعاه هذا لجر بغداد إلى حوار جدي يفضي إلى اتفاق يخفف من حالة الاحتقان السياسي القائم، كما نجح مع قادة الأحزاب الكردية؟