محمد واني يكتب:

اقبال على الكرد؛ سياسة ام صحوة ضمير؟

يبدو ان العراق وإقليم كردستان تحولا فعلا الى ساحة امامية للصراع الإقليمي بين المعسكرين الغربي والإيراني كما كان يتوقعه المراقبون ويتخوف منه العراقيون وخاصة بعد مقتل رجل إيران القوي قاسم سليماني في غارة أميركية في يناير من عام  2020. واشتدت حالة الشد والجذب بين الطرفين اكثر كلما اقترب موعد الانتخابات التي تجرى في العاشر من شهر أكتوبر القادم.

في غضون اقل من شهر شهد العراق احداثا متسارعة ساخنة. فقد عقد في بغداد مؤتمر"التعاون والشراكة" في 28 اغسطس بحضور لافت للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ومن ثم زيارته المهمة الى إقليم كردستان والترحيب الكبير الذي لقيه من قبل رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني. ثم جاءت الضربات التي وجهت الى مطار أربيل الدولي بطائرات مسيرة "درون" المحملة بالمتفجرات للمرة السابعة من قبل فصائل ميليشياوية تابعة لإيران وبالتزامن مع وجود رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في ايران. وهذا بحد ذاته يعتبر إهانة موجهة للسيادة العراقية كما فسر بعض المراقبين الهجوم ويظهر مدى الضعف والهوان الذي وصل اليه العراق الجديد.

ولم تمض أيام على استهداف الإقليم الذي مورس ضده كل أنواع العسف المادي والمعنوي من الحصار الشديد منذ عام 2014 وقطع الميزانية عنه الى تعكير صفو استقراره من اجل تغيير وجهته السياسية حتى وجهت دعوة رسمية لرئيس الإقليم بارزاني لزيارة لندن، وكأن الجانب الغربي يبعث برسالة اطمئنان الى حليفه الكردي مفادها اننا معكم نحميكم ولن نترككم لوحدكم في الساحة امام الغول الطائفي!

وليست صدفة ابدا ان تقوم بريطانيا بارسال دعوة رسمية الى الرئيس بارزاني بعد أيام من زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون الى الإقليم، وهما الدولتان اللتان قسمتا كردستان وفق اتفاقية "سايكس بيكو" ووزعتاها على الدول الإقليمية المختلفة! وخاصة ان الترحيب الحار الذي لقيه الرئيس الكردي الشاب من جانب رئيس الحكومة ووزير الخارجية والدفاع ومجلس اللوردات في البرلمان البريطاني مع بروتوكول رسمي رفع العلم الكردستاني في كل لقاء، مما ينم بشكل واضح عن تأييد ودعم بريطاني واسع للشعب الكردي في تصديه المستمر للإرهاب بكل اشكاله الحكومي الممنهج والطائفي.

لا شك ان مصالح بريطانيا وفرنسا اقتضت عام 1916 وما اعقبها من معاهدة لوزان عام 1923 التي وقعتها 94 دولة بتقسيم منطقة الشرق الأوسط طبقا لمصالحهما الاستعمارية. فهل نشهد عام 2022 وقبل انتهاء صلاحية المعاهدة انفراجا لازمة "الوجود" المزمنة التي يعاني منها الشعب الكردي وتتغير خارطة المنطقة؟

انا استبعد ذلك لان بقاء الكرد في حالة الدولة واللادولة الهلامية تخدم استراتيجتهم "الفوضوية" في المنطقة! رغم ذلك فلا شيء مضمون واكيد في السياسة الدولية، وقد تطرأ تغييرات جوهرية على مصالح الدول الكبرى وتتغير قواعد اللعبة السياسية ولكن لحين حدوث ذلك يجب ان نضاعف جهودنا من اجل التأثير على سياسات الدول الكبرى ونلفت انتباهها لمعاناتنا الدائمة وكسب دعمها.

أتمنى ان تثمر محاولات رئيس إقليم كردستان النشطة والجادة عن نتائج ملموسة على الأرض وتساهم في تطوير الإقليم وترسيخ كيانه وتوسيع صلاحياته وفق الدستور وتنفيذ المادة 140 المعطلة لوضع حد للعلاقة المتوترة دائما بين الشعب الكردي وحركته التحررية والحكومات العراقية المتعاقبة.