د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
هل نتآمر على بعضنا أم الغرب يتآمر علينا ؟؟!!
في القمة العالمية للحكومات ١٢ فبراير ٢٠١٧ التي أقيمت في دبي طرحت أسئلة كثيرة على صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي الذي كان يرعى تلك القمة لعل أهمها السؤال التالي :
هل تؤمن بنظرية المؤامرة لأن الكثيرين يقولون بأن أحد أهم أسباب تخلف العرب هي المؤامرات التي تحاك ضدهم منذ أكثر من مئة عام منذ تقسيم دولهم واستعمارها ما رأي سموكم؟
فأجاب سمو الشيخ محمد بن راشد:
المؤامرات! .. نعم أنا أؤمن بالمؤامرات، وإذا كنت تعتقد أن الدول لا تتآمر على بعضها البعض ولا تتجسس على بعضها البعض في صالح مصلحتها حتى في تخطيطك لمصلحة بلدك وشعبك، يحاولون أن يخربوا عليها.
لو قرأنا التاريخ وإلى اليوم وإلى أخر الزمن المؤامرات ستكون موجودة.
ولكن إذا دولة قالت أن علينا مؤامرات وتوقفت عن العمل فهذا هو الخطأ!
المؤامرات مستمرة!! "خذ سهمك فيها" .. بل عليك أن تضاعف جدك واجتهادك حتى تصل إلى ما تريده! .. أما المؤامرات باقية وموجودة.
ولكن الكثير من علماء النفس لهم رأي آخر مخالف لما قاله الشيخ محمد بن راشد فهم يفسرون لجوءنا الدائم لنظرية المؤامرة على انه :
مرض نفسي ناتج عن الشعور المستمر، بأننا ضحايا للغير، وأننا عاجزون عن فعل شئ بل ومستسلمون لما يجري في مواجهة أعداء أقوياء ينفذون ما يشاءون في الزمان والمكان الذي يريدون!!.
آخرون من المحللين يوجهون سهامهم إلى الشعوب العربية بالقول، أنها تغلب عليها البساطة والسطحية في التفكير، وتبدو غير قادرة على تفكيك الوقائع والأحداث المعقدة التي تعيشها الأمة. فهي لا تهتم بالتفاصيل وعاجزة عن فهم وتحليل ما وراء السطور، وغير قادرة على إدراك مآلات الأمور، حتى لو كانت تتعلق بمصائرها ومستقبل أجيالها . كما أن التركيز على نظرية المؤامرة هو خط الدفاع الأخير للضعيف!!
ويخالفهم الرأي المفكر الفرنسي روجيه غارودي ويوافق الشيخ محمد بن راشد في طرحه حين يتحدث عن الجيل الرابع من الحروب فيقول غارودي :
الآن يقاتل الغرب بالتكلفة الصفرية . .فالعدو يقتل نفسه . .
والعدو يدفع ثمن السلاح . .والعدو يطلبنا للتدخل فلا نقبل . .
التكلفة الصفرية تعني أن الغرب لا يخسر شيئا في الحرب . .
ونحن بحاجة لمواجهة ذلك إلى وعي فكري ، إذ تعتمد حروب الجيل الرابع على خلق دول فاشلة .. وهذا يتم عبر النقاط التالية :
أولا : خلق صراع أيدلوجي مثل الصراعات الطائفية أو العنصرية أو المذهبية والمناطقية الجهوية ليتم استثمارها !!. .
ثانياً : عزل منطقة ما في الدولة المراد تدميرها بحيث لا تكون خاضعة لسيطرة تلك الدولة .
ثالثا : إنشاء جيش من الأشرار من أبناء تلك الدولة ليكونوا أداة قتل دون أي رحمة أو تفكير ، و هذا هو الجيش الذي يكون بديلاً عن جيوش دولة الاحتلال .
رابعا : استخدم الأطفال والشباب الأمي الجاهل عديم الوعي والثقافة والزج بهم في القتال حتى ينشأ جيلاً مشبّعاً بثقافة القتل والتدمير وليس بثقافة البناء والتعمير والتحضر . .
وأخيراً خلق الدولة الفاشلة التي يسهل السيطرة عليها وإخضاعها لأي قرار تريده دولة الاحتلال .
خلاصة القول إن نظرية المؤامرة تلقى رواجا غير مسبوق في العقود الأخيرة، بعد أن أصبحت الحياة البشرية والعلاقات الدولية والإنسانية أكثر تعقيدا وتغيرا، كما أصبحت الأحداث مع تقدم الاتصالات والتسارع الحضاري في كل المجالات، أكثر تداخلا وتسارعا، ما جعل منها عسيرة الفهم، الأمر الذي وفر أرضية خصبة لانتشار هذا النمط من التفكير الذي اخترق كل طبقات المجتمع العربي المتعلمة وغير المتعلمة !!.
ورغم كل هذه المبررات التي تعطي المواطن العربي حقا في استخدام هذه النظرية، إلا انه ليس من الواقعي أو المنطقي تفسير كل شئ على انه مؤامرة خارجية دبرت في الغرف الغربية المظلمة . فبغض النظر عن الأسباب الفعلية لكل ما يحدث في حياتنا من تغيرات وأحداث، وإلصاقها بالغير، يكبح قدرتنا على التحليل العلمي لما يحدث، وبالتالي يقف عائقا أمام أي محاولة للتغيير أو الإصلاح الداخلي، مادام سبب ما حدث هو الغير وليس نحن وفساد ما نقوم به!!
. لقد ألغى أصحاب هذه النظرية قدرة الشعوب العربية على الحركة والانتفاضة ضد الاستبداد، وفسروا تحقيقا لرؤى سياسية هي جزء من الثورة المضادة، على أن الربيع العربي مؤامرة خارجية ورطت فيها القوى الأجنبية الشعوب العربية في العمل ضد حكامها، مستندين بتكرار ممل، إلى قول لوزيرة الخارجية الأمريكية (كوندليزا رايس ) السابقة ذات يوم في مقابلة تلفزيونية في إطار تحليلها لما يجري، بان هذا الذي يحدث فوضى خلاقة، أي أنها في النهاية قد تؤدي إلى إقامة أنظمة ديمقراطية .!!
وأنا حتى لو صدقت جدلا بما تقوله السيدة رايس فإنني لا أصدق بأن ما سينتج عن تلك الثورات الشعبية العارمة التي اجتاحت بعض الدول العربية أن تلك الحركات لم تكن تسعى بالضرورة إلى قيام أنظمة ديمقراطية بل كانت تسعى في البعض منها إلى قيام أنظمة قمعية شمولية مثل حركة الإخوان المسلمين التي امتطت تلك الثورات الشعبية واستغلتها كما حدث في مصر ويحدث في اليمن اليوم
.وأخيرا من يصدقنا القول من هؤلاء حتى نصل إلى تقييم موضوعي فيما يجري اليوم في الدول العربية وتحديدا في اليمن ؟؟؟!!!
أنا أميل إلى رأي الشيخ محمد بن راشد والمفكر جارودي وإن بصورة نسبية والدليل على ذلك أن كلما ما يجري من حروب في العالم فهناك أطراف وأيادي ومصالح دولية وإقليمية تحركها وتوزع أدوارها على صنائعها وحلفائها المحليين الذين أوكلت لهم لعب هذه الأدوار حتى تضمن مصالحها وأهدافها الإستراتيجية فلكل شيء ثمن ولو كان حتى على حساب الشعوب المقهورة التي تطحنها الحروب !!!
د. علوي عمر بن فريد