د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

عندما تذبح الدولة على يد عكفي ّ!!!

أكتب مقالي هذا للمراهقين فكريا الذين لم ولن يفهموا أبجديات السياسة والمسكونين بأسطورة "الوحدة" من أبناء الجنوب الذين باعوا أنفسهم رخيصة ولا زالوا يتبعون أهوائهم ولم يتقنوا فنون السياسة وألاعيبها الخطرة ولم يكلفوا أنفسهم حتى بقراءة التاريخ ليعرفوا ما بين السطور وأسرد لهم هذه الوقائع لعلهم يعتبروا منها : في أواخر العام 1993م كان الوضع في اليمن ملتهب ومسدود سياسيا عندما رأس علي عبد الله صالح اجتماعا للجنة العامّة لحزب "المؤتمر"، وطرح البعض خيار شن حرب استباقية على الجنوب، لكن حسن مكي عارضه بشدّة، فانتفض الشيخ ناجي عبد العزيز الشايف، وكان من مؤيّدي شنّ الحرب، ليهاجم مكي الذي كان حينها يقوم بأعمال رئيس مجلس الوزراء، بعد اعتكاف حيدر العطاس في عدن، بالقول: "أنت شيوعي إلى أمس"، فيردّ عليه حسن مكي:
"وأنت عادك كنت إلى أمس ملكي"، فخرس الشايف عن الكلام ليغادر القاعة ويوجّه مرافقيه بقتل حسن مكي، وبعد أقل من ساعة اعترضت سيارتان موكب الدكتور مكي، وأطلق مسلّحون وابلاً من الرصاص عليه، لينقل على إثرها إلى المستشفى مصاباً، ويقتل في الحادثة 3 من مرافقيه!!
حينها شاهد اليمنيون دموع مكي وصوته المتهدج على الهواء في التلفزيون الرسمي، وظنّوا أن القانون لا بد سيأخذ مجراه هذه المرّة. لكن الذي حصل هو هروب الشيخ الشايف إلى الجوف، واحتمى بقبيلته، وبعد أيام تمّت تسوية تلك الجريمة بذبح عدد من الثيران أمام منزل الدكتور حسن مكي، بحضور رئيس مجلس النواب الشيخ عبد الله الأحمر شيخ مشايخ (حاشد) !!
وعلّق حينها الدكتور عبد الكريم الإرياني على ذبح تلك الثيران ، بالقول: "لقد ذُبحت الدولة اليوم) !!
بعد تلك الواقعة تم تعيين الشايف عضوا في مجلس الشورى.؟؟!!
و يوم سقط الدكتور مكي مضرجا بدمه في رابعة النهار، ذاب ملح الدولة "الحلم"، وصار الفساد ملح التنمية كما كان يرددها با جمال ، والثور الأسود قنطرة ممتدّة من المهرة حتّى صعدة!!
في العام 2016 رحل الدكتور حسن مكي،الصوفي الزاهد ، الرجل النظيف و التهامي العف، طاهر اليد ، صادق الوطنية ، صادق المعاناة، الجمهوري من الرأس حتى القدم ، رحل ولن ينساه أبناء اليمن.!!
وفي عهود الأئمة لم يكن مشايخ اليمن كافة سوى شرذمة ضعيفة منكسرة مصفدة بالسلاسل والقيود كرهائن في سجون الأئمة ومعظم أبنائهم من خريجي تلك السجون الرهيبة ونتج عن ذلك القمع جيل كامل تولدت لديه عقدة الانتقام والثأر من المجتمع اليمني ككل لينفس عن احباطاته خاصة عندما اختطفت القبائل الهمجية ثورة سبتمبر وقام المشايخ وأولادهم بالتنفيس عن عقدهم التاريخية المتراكمة في عهد الأئمة للانتقام من سائر الشرائح الاجتماعية في اليمن وفوضوا أنفسهم بالوصاية والولاية على الشعب اليمني بدل الأئمة وحولوا بيوتهم إلى سجون ومعتقلات و يمارسون العنصرية والاستعلاء المذهبي والقبلي والفرز الجهوي ويصنفون البشر حسب المذهب و اللون والسلالة والنسب على مختلف الطبقات الاجتماعية حتى اليوم ويجرعهم الحوثي اليوم من نفس الكأس !!
وقد ذكرت الكاتبة نجلاء علي الشيباني فقالت :
(عندما تْستباح أرواح البشر وتْلجم أفواههم وتنهب أموالهم دون أدنى رحمة ..بعد أن تحرم من أبسط حقوق الآدمية حينها تتحول الحياة إلى لا شيء ..أنا لا أصف حكاية من نسج الخيال وإنما حقيقة سطرتها الأحزان البعض من أبناء جلدتنا ممن كانوا يتعايشون مع حكم إمامي مقيت أبدع وتفنن في تدمير حياتهم وحولها إلى جحيم إلى قهر وإذلال ليعيش هو مستريح البال وكل ذنبهم أنهم ولدوا أحرارا)
وفي تلك الفترة كانت الاعتقالات التعسفية والعمياء مثلت أهم أسس ومرتكزات النظام ألإمامي لغرس مفاهيمه الاستبدادية وليكف عن نفسه الأذى مستقبلاٍ من هذا المنطلق الجاهل بدأ الحكم ألإمامي حملة الدفاع عن عرشه من خلال حملة اعتقالات واسعة لكل شخص قادر على التفكير وأمتلك الجرأة لقول الحقيقة ليجد نفسه دون سابق إنذار مكبلاٍ بالسلاسل ومرمي في غرفة لا يفارقها الظلام في الليل والنهار توزعت في سجون الإمام المنتشرة في أماكن متفرقة آنذاك وكان أبرزها في حجة وصنعاء وتعز ليزج بداخلها كل من سولت له نفسه قول الحق وليس هؤلاء الأحرار فقط فالأطفال أيضاٍ لاقوا نفس المصير من السجن والتهميش في سجون الإمام لإجبار قبائلهم على السمع والطاعة بالإضافة إلى فرض النظام وتأمين وصول التزامات الفلاحين من الأطراف إلى خزينة السلطة المركزية!!
وكان النظام ألإمامي لا يعطيهم إلا الكدم وبهذه الطريقة كان يعيش المعتقلون المعارضون لحكم الإمام والرهائن التي أبدت خضوعها لما يريده الإمام وتجرعت الجوع والمعاناة حتى يأتي أهلهم بالفرج ويعطوهم ما تيسر لديهم من غذاء وملابس نظيفة ما لم فإنهم سيبقون في السجون على أكل الكدم وبملابسهم المتسخة!!
وهي نفس الممارسات والانتهاكات التي يقوم بها الحوثة اليوم !‍!
ولم يكن الوضع في العهد الجمهوري أفضل حالا منه في عهد الأئمة بل أصبح أسوأ منه بكثير بل وتفوق عليه مما أنتج سياسة الاستباحة التي فاقت عهود الأئمة بكاملها وكانت نتائجها تفريخ عشرات الشيوخ الذين يمارسون العنجهية والقتل والنهب لكل شيء دون محاسبة !!
ومن ذلك ما حدث في إحدى جلسات مجلس النواب العام 2012م عندما قال محمد ناجي الشايف (الابن) موجها كلامه لرئيس الوزراء محمد سالم با سندوه : «نريد رئيس حكومة يمني لأن من يرأسها أرتيري أو صومالي».!!!
يومها طلب منه النواب سحب كلامه ورفع صخر الوجيه يده لنقطة نظام فقال الشايف الابن «إذا صخر الوجيه سيرد عليّ بنقطة نظام فأنا سأربيه مثلما رباه الأخ يحيى الراعي.!ّ!
اليوم أبناء عمومة صخر الوجيه يقومون بالواجب مع الشايف والراعي وأصبحوا في عهدتهم أسرى تحت المراقبة والسيوف فوق أعناقهم ويلوذون بالصمت المطبق على قول أهل اليمن "هص ولا نخس " !‍! ( وكما تدين تدان ولو بعد حين ) !ََ!.
واليوم ونحن نراقب المشهد فمكان الشايف شيخ مشايخ (بكيل) الآن هو ذات المكان الذي قاله الدكتور مكي في العام 1993 م أقل من مجرد "عكفي" لدى سيده كما كان أجداده وكما هو حال صادق الأحمر .. وتلك هي الصنعة التي يجيدونها على مدى أكثر من ألف عام ، ولم تكن نهاية عفاش تختلف عن الشايف أو الأحمر فقد خلع الميري ولبس الزنة وتحول من جمهوري إلى "عكفي " ورغم ذلك لم يقبلوا به وقتلوه ولا يعلم أحد أبن قبره هذا إذا قبروه اللهم لا شماته وهذه إرادة الله عندما يسلط على الظالم من هو أظلم منه !!!
كلمة أخيرة لبعض المهووسين بالوحدة من أبناء الجنوب والجامحين في أحلامهم أقول لهم أفيقوا واعتبروا واتعظوا من تاريخ هؤلاء الذين لن يرحموكم عندما تستفيقوا من غفلتكم على قرع طبولهم وهم يرقصون حولكم ويمررون جنابيهم على أعناقكم وعندها لا ينفع الندم !!
د.علوي عمر بن فريد