محمد خلفان يكتب:

أردوغان "وشيكات" الحمدين

أثبت رئيس تركيا رجب طيب أردوغان أن لديه قدرة كبيرة ومهارة دبلوماسية فائقة على توريط نظام الحمدين في الأزمات التي يختلقها، وهو في طريقه نحو تحقيق حلمه باستعادة أمجاد أجداده في الخلافة العثمانية، مستفيدا من النظام القطري الذي لا يبخل عليه بالدعم المالي.

منذ البداية اختار نظام الحمدين تركيا حليفا سياسيا وعسكريا، بدلا من معالجة أخطائه الاستراتيجية القائمة على تهديد استقرار المنطقة، ورفض التخلي عن المواقف الداعمة للإرهاب والتطرف، خاصة تنظيم جماعة الإخوان المسلمين. وحتى الآن نرى أن أردوغان، الذي زار قطر الأسبوع الماضي، يستغل الحمدين في معالجة نتائج مغامراته السياسية الفاشلة، في الداخل التركي وخارج تركيا، سواء في ليبيا، أو سوريا، أو الصومال، من خلال توفير السيولة المالية لهذه المغامرات، وتغطية العجز في تمويل المشاريع الداخلية.

وفي مقابل ذلك، يستغرب المراقب من الحسابات السياسية الخاطئة لنظام الحمدين، وإقحام نفسه في كل الملفات التركية، حيث باتت دولة قطر وشعبها في وجه كل عاصفة دولية تستهدف تركيا، وسياسات أردوغان القائمة على التدخل، والتي لا يمكن لأحد أن يصفها إلا بأنها حسابات خاطئة، بل ومدمرة على المدى البعيد.

سياسة الهروب إلى الأمام، التي يتبعها نظام الحمدين، بدلا من مواجهة الحقيقة المتمثلة في تنفيذ الشروط الـ(13) للعودة إلى علاقة طبيعية مع الجوار الجغرافي، قد تفضي إلى أزمة أخرى على المدى البعيد

وبمجرد أن يسقط أردوغان في الانتخابات الرئاسية القادمة، وهو أمر لم يعد مستبعدا، في ظل حالة الغضب الداخلي على سياساته، سيجد النظام القطري نفسه في مواجهة قادة أتراك جدد لا يقبلون بما كان يفعله أردوغان وعدد قليل من فريقه السياسي الذي زار الدوحة، لاستلام الشيكات القطرية من نظام الحمدين.

هناك تشابه بين تعنت نظام الحمدين في أزمتهم مع أشقائهم الخليجيين، في تفاصيلها الدقيقة، وتعنت وعناد أردوغان في التعامل مع أصدقائه السياسيين، ومع حلفائه في حلف شمال الأطلسي، ما يوحي بأن من يدير الأزمة القطرية هو أردوغان نفسه، كي يزيد الأزمة إرباكا وتخبطا، ويبعد قطر عن محيطها الجغرافي، خدمة لمصالحه السياسية الفردية.

فأردوغان يعرف عنه إيغاله في البراغماتية، فهو على المستوى الشخصي، تخلى عن كل أصدقائه، وعلى المستوى الدولي، تلاعب بين الولايات المتحدة وروسيا، في ملفات التنافس الدولي في المنطقة، بل وصل به الأمر سعيا لتحقيق مصالحه الشخصية، أن افتعل أزمة مع أعضاء من حلف شمال الأطلسي (الناتو). وبالتالي سيعمل بكل قواه لضمان استمرار الأزمة القطرية، كي يضمن استمرار الإمدادات من الخزينة القطرية المفتوحة، لتمويل مشاريعه التي لا تقبل التطبيق والتنفيذ، إلا في أحلامه.

إن سياسة الهروب إلى الأمام، التي يتبعها نظام الحمدين، بدلا من مواجهة الحقيقة المتمثلة في تنفيذ الشروط الـ(13) للعودة إلى علاقة طبيعية مع الجوار الجغرافي، قد تفضي إلى أزمة أخرى على المدى البعيد، ولن يكون سهلا على الحمدين، إخفاء تورطه بالفعل في الملفات التركية دون فائدة، بل إن الورطة هذه المرة لن تقتصر على جواره الجغرافي، نتيجة لتوسع المغامرات الأردوغانية، والتي شملت العديد من الدول، وبالتالي فإن انعدام الثقة الدولية في نظامه سينتقل مباشرة من تركيا إلى الدوحة، وحينها لن يجد نظام الحمدين أي مظلة أو غطاء يحتمي تحتهما.

اختار نظام الحمدين تركيا حليفا سياسيا وعسكريا، بدلا من معالجة أخطائه الاستراتيجية القائمة على تهديد استقرار المنطقة، ورفض التخلي عن المواقف الداعمة للإرهاب والتطرف

دعم النظام القطري لأردوغان حماقة سياسية ستفضي إلى التصادم مع الرأي العام التركي، ومع المعارضة السياسية داخل تركيا، التي تسجل أخطاء أردوغان لإسقاطه. كما أن هذا الدعم سيؤدي إلى استفزاز الدول العربية وشعوبها، التي عانت من ابتزاز أردوغان وتدخله لزعزعة الاستقرار فيها، بالإضافة إلى الدول الخليجية، هناك مصر، وسوريا، وتونس، وليبيا، والعراق. التي عانت كلها من مغامرات أردوغان وحماقاته، فهل يدرك نظام الحمدين ذلك؟

التعنت بدلا من العقلانية السياسية في البحث عن الحل، وبالتالي الخروج من المأزق الذي وجد نفسه فيه، هو ما دفع بنظام الحمدين إلى الزج بالشعب القطري في أزمات “لا ناقة له فيها ولا جمل”، بل حولته إلى مجرد ممول لمشاريع تهيّج دول العالم عليه، ووضعته في مواجهة الغضب الدولي ضد تركيا وحلفائها، وستكون قطر هي الحلقة الأضعف.

التحركات القطرية لعبة سياسية غير محسوبة العواقب، وتعكس تصرفات قادة لا ترقى إلى مستوى من النضج والحكمة ولا يدركون مصلحة بلادهم. عليهم أن يدركوا أن أردوغان حليف لا يمكن الاعتماد عليه في الأزمات الحقيقية، وتجربته مع حلفائه التقليديين في الداخل والخارج خير مثال لذلك.