الحبيب الأسود يكتب:
اغتيال الهاشمي حلقة أخرى من دموية الإسلام السياسي
اغتيال الخبير العراقي في قضايا الإرهاب هشام الهاشمي جاء في موعده، علينا أن ننظر إلى حملة الشيطنة التي تعرض لها مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إحدى الصفحات وتحمل اسم جمهورية الحشد الشعبي، قامت بالتلاعب بصورته الشخصية بواسطة الفوتوشوب لتظهره في شكل إرهابي بلحية كثة، وزعمت أنه كان قياديا في تنظيم القاعدة قبل أن يتحول إلى متخصص في تحليل الظاهرة الإرهابية، وأنه انتقل من الإرهاب إلى العمالة للأميركان، اللافت أن تلك الصفحة اختفت وما فيها من مواد تحريضية بعد ساعات قليلة من جريمة الاغتيال.
ليس هناك شك في أن الميليشيات المسلحة المرتبطة بإيران هي التي تولت القيام بمهمة تصفية الهاشمي، فالرجل كان يمثل مصدر إزعاج لها، الأصوات الحرة معرضة دائما لدفع الثمن باهظا في ديمقراطيات الشرق الأوسط الجديد التي يراد لها أن تحكم من قبل قوى للإسلام السياسي، تجعل من التكفير والتخوين أداة لتصفية خصومها.
كثيرة هي الأصوات العراقية الحرة التي تعرضت للتصفية بكاتم الصوت خلال الأشهر الماضية، كذلك علينا أن نتذكر أعداد من تعرضوا للاغتيال من أبناء الدولة الوطنية من عسكريين وأمنيين وسياسيين ومثقفين وحقوقيين بعد الغزو في 2003، كل ذلك من أجل إخضاع الدولة والمجتمع لحكم الساسة الطارئين ممن لا يعترفون بالوطن والوطنية، وإنما ترتبط انتماءاتهم العقائدية بنظام الملالي في إيران، ومصالحهم الاقتصادية بشبكات الفساد داخليا وإقليميا وبالجهات الغربية التي لا يتوانون عن التهجم عليها ليل نهار.
عرف عن هشام الهاشمي أنه كان خبيرا في الجماعات الإرهابية كالقاعدة وداعش، لكن أمثاله ممن يحللون مفاصل الإرهاب في شقه السني، يعرفون مفاصله في الشق الشيعي، ولا يمكن أن يكونوا إلا مدافعين عن الدولة الوطنية المدنية
لم يختلف مصير هشام الهاشمي عن مصير شكري بلعيد ومحمد البراهمي في تونس، وعبدالسلام المسماري ومفتاح بوزيد في ليبيا، علينا أن نعترف بأن جماعات الإسلام السياسي بشقيها الشيعي والسني، تنهل من تراث مغرق في الدماء، خصوصا وأن هناك تلك المفردة السحرية القادرة على إباحة القتل وهي التكفير، مقابل مفردة التوبة في رحاب الإسلاميين، وهي توبة لا تعني علاقة المخلوق بخالقه، وإنما علاقته بمن يزعمون أنهم الأوصياء على الدين، والمكلفون بمهمة التفتيش في ضمائر الناس للكشف عن مدى إيمانهم.
تحتل صناعة الرعب مكانة مهمة في فقه الحركات الإسلامية، لذلك تستعيد صفحات التاريخ لتنهل منها ما تعتبره تشريعا للقتل واستباحة الأنفس والأعراض، داعش لم يأت من فراغ وإنما من إرث تستند إليه أحكامه في الترويع الممنهج، جرائم العثمانيين تكفي للتأكيد على ذلك، وإسماعيل الصفوي يمكن أن يكون مثالا للسلوك الدموي من حيث تورطه في قتل مئات الآلاف من البشر بهدف دفع غير الشيعة إلى التشيع بالقوة.
كلما اجتمعت السياسة بالدين في الصراع على السلطة، كان القتل مباحا ومتاحا، وكانت أعراض وأملاك البشر غنائم للمكبّرين باسم الله البريء من تصرفاتهم، اليوم لا يختلف الوضع عما كان عليه سابقا، وكل من يمثل خطرا على المشروع الديني يصبح هدفا للتصفية، خصوصا إذا كان مثل هشام الهاشمي ينطلق في خطابه من روح وطنية رافضة للمشاريع العابرة للحدود.
هناك تبرير عادة ما يعتمده الإسلاميون في محاولتهم تبرئة أنفسهم من الجريمة، وهو اسأل من المستفيد؟ هذا التبرير يطلقه عادة من يقفون في واجهة القرار السياسي أو من يدعمونهم من وراء ستار التحليل والتغطية الإعلامية، لكن كل المؤشرات تؤكد أن التنظيمات السرية للحركات الإسلامية تتصرف بشكل آلي لتنفيذ المطلوب منها أو ما تراه صالحا لمشروعها دون التفكير كثيرا في نتائجه، هناك معطى مهم في نشاط جماعات الإسلام السياسي وهو الاعتماد على عنصر الزمن، العدو الذي تتخلص منه اليوم ستكون قد تخلصت من أذاه غدا، وسيكون الناس قد نسوا ذلك تماما، والأهم من ذلك أنك وجهت رسالة لمن قد يسير على نهجه.
علينا كذلك ألا ننسى أن الرسالة لا يراد لها أن تصل فقط إلى الأعداء، وإنما إلى الأنصار كذلك، وفحواها أننا قادرون على التخلص ممن يعادي مشروعنا ويعمل ضدنا، وفي ذلك دفع معنوي للأنصار المتشبعين بتراث الدم، والذين قد يكونون أحيانا أكثر اندفاعا للقتل من القادة السياسيين للجماعات.
علينا أن نعترف بأن جماعات الإسلام السياسي بشقيها الشيعي والسني، تنهل من تراث مغرق في الدماء، خصوصا وأن هناك تلك المفردة السحرية القادرة على إباحة القتل وهي التكفير
عرف عن هشام الهاشمي أنه كان خبيرا في الجماعات الإرهابية كالقاعدة وداعش، لكن أمثاله ممن يحللون مفاصل الإرهاب في شقه السني، يعرفون مفاصله في الشق الشيعي، ولا يمكن أن يكونوا إلا مدافعين عن الدولة الوطنية المدنية التي تواجه حربا ضروسا في المنطقة العربية منذ غزو العراق في 2003، مرورا بما عرفته تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن، حيث وكلما اجتمع الداخل والخارج باسم مقاومة الدكتاتورية، برز بديل إسلامي لا يستثني الإرهاب من أدوات صراعه على الحكم.
كان الهاشمي يرى أن الإرهاب واحد سواء كان من القاعدة وداعش أو من الميليشيات الشيعية، التي لم تختلف يوما عن نظيرتها السنية في التكفير والتدمير والتفجير وتخريب الأوطان، وكان يمتلك الآليات الكفيلة بالتحليل والدراسة، ويعرف كيف يخاطب روح الوطنية العراقية في العراقيين، لذلك صدر الحكم باغتياله، وهو حكم يأتي ضمن سياق التصفيات الممنهجة لكل عراقي حر يدافع عن سيادة وطنه وكرامة شعبه، ويرفض الخضوع للاحتلال الفارسي تحت الغطاء الطائفي.
كان اغتيال الهاشمي رسالة مضمونة الوصول إلى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، مفادها أن إيران وأتباعها ومنفذي أجنداتها لن يسمحوا لأي نفس وطني عربي عراقي بأن ينتعش، وكان كذلك مؤشرا على أن الإسلام السياسي لا يقاتل من أجل قضية وطنية، وإنما من أجل تنفيذ الأجندات الخارجية التي يترك وفقها، كأن يكون متطرفا شيعيا متخفيا بعباءة إيران، أو متطرفا سنيا متخفيا بعباءة تركيا.