حسن العديني يكتب:

أردوغان وغرور القوة في المختبر الليبي

في المختبر الليبي سوف يلوى ذراع أردوغان ويقتل طموحه في إخراج جثة الإمبراطورية العثمانية من قبور التاريخ.

دائماً يحضر في ذهني شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي كلما رأيت أو تابعت تصرفات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

أرى الشبه بينهما في غرور القوة، مع فارق أن الأول مارسها من موقع وظيفة الشرطي الحارس للمصالح الغربية، ويمارسها الثاني إلى درجة الهستيريا؛ ولكن في دور البلطجي.

ولم ينكر الشاه وظيفته، أما أردوغان فيغطي سوأته بغلالة من الإيمان والتقوى.

وكانت للشاه أسبابه اقتنع الآخرون أو تحفظوا، وأولها أن الاتحاد السوفييتي يجثم بجثته الثقيلة فوق ظهره، ويمسك برقبته، ويكاد يكسر عموده الفقري. وليس لدى أردوغان أي مبرر سوى أن توكيلاً من الله بيده، ورثه من مؤسس «الإخوان» حسن البناء، ووثيقة ملكية في أرض العرب، عثر عليها في الخزينة القديمة لسلاطين آل عثمان.

وكان للشاه موقف غير ودي من العالم العربي، كما أن لأردوغان عداء مستحكم، وقد عبّر الاثنان عن ذلك في علاقة وثيقة مع «إسرائيل»؛ لكن الشاه كان واضحاً لا يتصرف من وراء حجب، بينما أردوغان يمارس الغرام مع «إسرائيل»، ويعطيها متع الدنيا ثم يخرج على الناس لابساً ثوب العفة، مطلقاً أبشع الأوصاف على الذي كان برفقته وراء الجدران.

ثم إنه يذهب إلى الحرب المباشرة على العرب، وعلى سبيل المثال تتبدل المعادلة في سوريا، والأصل فيها أن للسورين مطلب باسترداد لواء الإسكندرون الذي قطعته فرنسا بالسكين، وضمته إلى تركيا؛ لكن أردوغان لا يسلم بالحقيقة الجغرافية والتاريخية، ويعيد الحق إلى أصحابه، وإنما يجره الطمع إلى احتلال أرض في سوريا.

كذلك فإن تركيا مطالبة بالتعويض عن قرون طويلة من احتلال بلاد العرب، ونهب ثرواتهم، وقتل وتعذيب أبنائهم.

أردوغان يفعل خلاف ذلك، وبالتحديد يستبين دور البلطجي في الغزو التركي لليبيا، بما يقدمه أردوغان وأركان حكمه عن حقهم في العودة إلى حيث كان أجدادهم من المحتلين والمغتصبين لتلك الأرض، حتى بلغت الوقاحة به أن وزير دفاعه خلوصي أركار خاطب قواته الغازية الأسبوع الماضي، مشيداً بدورها في القضاء على أحلام خليفة حفتر بالسيطرة على ليبيا، كما لو أنه هو الأصيل، وحفتر دخيل على بلاده.

ذلك ذروة الاستخفاف بالعقول والتحدي الصارخ للقوانين والأخلاق والشرائع، وأما في أوله فقد بدأت اللعبة بدعوة من حكومة لا يعترف بها البرلمان الليبي، ولا يقبل بتصرفاتها.

والشعوب لا تعطي مقدراتها ومقاديرها ولا مصائرها للذين يستمدون صكوك الشرعية من القوى الأجنبية؛ لكن ذلك وهم الميليشيات التي طلبت من أردوغان احتلال بلادها؛ فدفع إليها بآلاف المرتزقة ثم استتبعهم بقوات تركية من جميع فروع الأسلحة البرية والجوية والبحرية.

والحقيقة غير الغائبة أن تركيا استفادت أكثر من غيرها من فوائد النفط الليبي؛ بفضل تسهيلات منحت لشركاتها؛ للعمل في مجال التنقيب والخدمات النفطية والبنى الأساسية والتنمية العقارية والتجارة الخارجية وغيرها.

وخلال أربعة عقود أو يزيد شكلت عائدات الشركات التركية العاملة في ليبيا ركيزة أساسية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية داخل تركيا.

وعندما وقعت أحداث ما سمي ب«الربيع العربي» وانزلقت ليبيا إلى الحرب الأهلية التي ساهم نظام أردوغان في أشعالها؛ تعثرت أعمال المؤسسات الوطنية الليبية والشركات الأجنبية، وبينها الشركات التركية بالطبع.

وأردوغان يريد الآن قيمة الأعمال التي لم تنفذها شركات بلاده خلال السنوات العشر الماضية، ويقول: إنه سيأخذها بيده، ولن يلجأ إلى المحاكم الدولية إن كان له حق.

أليس هذا قمة الإمعان في تقمص دور البلطجي؟

كذلك لا يذهب أردوغان إلى ليبيا وعينه على النفط وحده؛ بل وعلى الأصول الجاهزة، الاحتياطي النقدي واحتياط الذهب، ثم إنه يدخل إلى طرابلس وفي ذهنه أرشيف السجل المدني ومنظومة الجوازات وفي نيته أن يعبث ويزور.

لكن الكلمة الصداحة والقهارة سوف تكون لليبيين وحدهم، وقد سمع الصوت الأول بتلك الضربات الساحقة لمنظومات الدفاع الجوي فور اكتمال تركيبها في قاعدة الوطية.

تلك إشارة موحية إلى أنه هناك في المختبر الليبي سوف يلوى ذراع أردوغان وتقطع أصابعه ويقتل طموحه في إخراج جثة الإمبراطورية العثمانية من قبور التاريخ.

* نقلاً عن صحيفة "الخليج" الإماراتية