محمد خلفان يكتب:
الإمارات تحرك الجمود السياسي
من تابع تطورات الأحداث حول القضية الفلسطينية خلال الفترة الماضية سيخرج بنتيجتين اثنتين؛ الأولى، أن القضية الفلسطينية وصلت إلى مرحلة من “الانغلاق السياسي” الحاد، لدرجة بدا أنه لم يعد هناك أمل لتحريك أي شيء حول مسألة البحث أو الحديث عن أي حلول لها، بل وصل الأمر حدا انعدمت فيه البدائل المتاحة أمام المجتمع الدولي، ومع الفلسطينيين أنفسهم، وكذلك مع باقي الدول المعنية بالقضية.
النتيجة الثانية، أن الطرف أو الأطراف المستفيدة من حال الجمود اقتصر على الدول ذات المشاريع السياسية الإستراتيجية في الإقليم، وأقصد هنا بشكل واضح نظام أردوغان في تركيا، ونظام الملالي في إيران، ومن ورائهما التنظيمات ذات الميول المتطرفة، وكلها تهدد مصير بعض الدول العربية.
وزاد الأمر سوءا بعد أن وصل الوضع العربي عموما إلى مرحلة العجز التام وعدم القدرة على الحركة في وضع حد لتدخلات النظامين في الشأن العربي ومن سياسة التخريب التي يتبعها من يخدمهما.
مع مرور الوقت، وتكرار مشهد الانقسام والعجز العربي الذي بات السمة الأساسية لهذا المشهد، كانت القضية الفلسطينية ومعها عدد من الدول العربية هي الخاسر الأكبر. حتى انقلب الموقف السياسي العربي وصار عبارة عن أمنيات متقلبة وفق سيناريوهات لو فعلنا كذا لما حدث ما نراه اليوم.
وتكرر الأمر نفسه، بدءا من قرار التقسيم في عام 1947، ومرورا بعام 1967 وكذلك 1973، وصولا إلى اليوم، حيث بدأ أردوغان مشروعه العثماني، ينافس النظام الإيراني على “المتاجرة” السياسية بالقضية، باعتبارها الموضوع الذي يكسب السياسيين التأييد العربي والإسلامي، وينقذ الأنظمة التي فشلت في تحقيق الإنجازات التنموية.
ويقينا أن بقاء مثل هذا الوضع المأسوي من شأنه أن تكون له تداعيات خطيرة على الوضع العربي، من حيث المكانة التي يتربع عليها في الساحة الإقليمية والدولية، لتصبح عاجزة عن مواجهة أنظمة تغرد خارج السرب وتجند نفسها لخدمة التنظيمات الإرهابية بالتمويل والسلاح.
لم ينج من التداعيات السلبية لهذا الوضع، ويتمكن من تحقيق المصالح الاستراتيجية العليا، سوى بعض الدول، مثل دولة الإمارات والسعودية اللتين بذلتا جهدا مضاعفا لإيقاف انهيار الوضع العربي.
وعليه، إذا لم تستطع الدول العربية أن تغير من وضعها اليوم، فإن المؤشر يؤكد أنه لن تحصل على أي شيء في الغد. وكما يدرك أغلبنا، التغيرات الكبرى تحتاج إلى قيادات لديها الشجاعة السياسية والقدرة على تحمل نتيجتها وعادة ما تكون هذه النوعية من القيادات نادرة وتمتلك رؤية بعيدة المدى أما المترددون والقلقون دائما فإنهم يتسببون في خسارة المكاسب الإستراتيجية للأمم.
علينا أن ندرك أن هناك فرقا بين امتلاك القوة، خاصة قوة الصراخ، الذي يمتاز به الكثير من السياسيين في منطقتنا العربية وجوارنا ممن يحملون معتقدات فكرية لتدمير الشعوب، وبين إرادة الشجاعة التي تجعلك تقوم باتخاذ قرارات إستراتيجية في وقت يعتقد فيه الجميع أنه لا مخرج للمشكلة أو الأزمة لأن أصحابها أوصلوها إلى “طريق مسدود”، إلى أن يأتي من يحرك الوضع من أجل التفكير بمخارج من الأزمة وهذا ما فعلته دولة الإمارات الخميس الماضي الموافق لـ13 من أغسطس عندما أعلنت عن توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل.
إن حالة الانفراج السياسي حول القضية الرئيسية لكل العرب لم تكن لتحدث ما لم يكن هناك حراك إستراتيجي مؤثر وفعال ليس فقط لنفض مواقف المستفيدين من الجمود ولكن لصياغة موقف واضح ومحدد لمواجهة الجمود السياسي الداخلي الفلسطيني أولا، ومن ثم وضع حد “للفهلوة” التركية والإيرانية وأذرعها السياسية المنتشرة في العالم العربي.
الإمارات أوصلت رسالة مقنعة للمجتمع الدولي بأن هناك رغبة عربية لإحلال السلام في المنطقة لذا جاءت المواقف من الدول المهتمة بقضية السلام مؤيدة لقرار الإمارات في توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل.
---------------------
المصدر| صحيفة العرب