إميل أمين يكتب:
فوز ترامب.. هل بات شبه محسوم؟
مساء الاثنين 24 أغسطس الماضي، وفي مركز المؤتمرات في شارلوت بولاية كارولينا الشماليّة، حصل الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب على ترشيح الحزب الجمهوريّ له لخوض غمار السباق الرئاسيّ للعام 2020 في نوفمبر المقبل، ومن دون مفاجآت سمّى نحو 330 مندوبًا اجتمعوا هناك، ترامب مرشّحًا لهم، فقد أعلن المندوبون الذين يمثّلون خمسين ولاية أميركية دعمهم للرئيس، واحدًا تلو الآخر، بدءًا بولاية آلاباما بحسب التسلسل الأبجدي.
نحو تسعة أسابيع تفصل العالم عن انتخابات أميركيّة رئاسيّة غير مسبوقة، بها من علامات الاستفهام ما هو أكثر بكثير من الإجابات، وربّما في المقدّمة منها ذاك السؤال الخاصّ بحظوظ الرئيس ترامب في الفوز بولاية ثانية.
الشاهد أنّ القدر قد عمل في اتّجاه معاكس لتوجهات ترامب، لا سيّما بدءًا من شهر فبراير الماضي، أي حين بدأ فيروس كوفيد -19 يتفشّى في الداخل الأميركيّ، ما تسبّبَ في ضياع مكاسب عديدة اقتصاديّة حقّقها الرئيس ترامب خلال السنوات الثلاث المنصرمة، ولاحقًا ظهرت على السطح أزمة النسيج المجتمعيّ الأميركيّ، تلك التي صاحبت قضيّة الشابّ الأميركيّ من أصول أفريقيّة جورج فلويد، وبدا أنّ منافسه نائب الرئيس الأميركيّ السابق جوزيف بايدن متقدّمًا بعدّة نقاط، ما أثار هلعًا عند الجمهوريّين من فقدان البيت الأبيض لأربع سنوات قادمة.
على أن الحقيقة التي بيّنتْها استطلاعات رأي لاحقة، لم تأخذ حظّها من الدعاية الأميركيّة بشكل كبير، تبيّن أن ترامب قد تقدَّم عدّة نقاط على بايدن، مثل استطلاع رأي مؤسسة "راسموسن"، والذي أشار إلى تقدّم مهمّ لترامب في مواجهة بايدن، الذي لم يشفع له اختيار "كمالا هاريس" كنائبة على تذكرته الانتخابيّة.
عدّة مرتكزات تبيّن لنا أن الرئيس ترامب له حظوظ واسعة من الفوز، لا سيّما في ظلّ الزخم والدعم اللذَيْن يحيطان به من قِبَل الحزب الجمهوريّ، الأمر المنافي والمجافي لأوضاع جوزيف بايدن الذي انحسر تأييده بين أهمّ قطاعَيْن في الحزب الديمقراطيّ، وهما قطاع المرأة والسود أو الأفارقة الأميركيّين.
ما يجعل آمال ترامب في الفوز واسعة وعريضة هو التئام شمل المؤسّسة الجمهوريّة العميقة من ورائه، فقد استخدم لإحياء حملته المتضرّرة، علاقاته العميقة مع كبار الاستراتيجيين والنشطاء الجمهوريّين في جميع أنحاء البلاد، ما وَفَّر قدرًا من الهدوء لحزب يشعر بقلق متزايد بشأن آفاق فوزه في نوفمبر القادم.
عنصر آخر دعم ترامب، وغالبًا ما سيدعمه بشكل كبير للغاية الأسابيع القليلة القادمة، ويتمثَّل في مدير حملته الجديدة "بيل ستبيان"، والذي يشبّهونه بالطفل المعجزة "كارل روف"، الذي قاد جورج بوش الابن مرّتَيْن إلى مقام الرئاسة الأميركيّة في العقد الأوّل من هذا القرن.
ستبيان قائد شابّ لا يزيد عمره عن 42 عامًا، لكنّه اكتسب خبرات عريضة في مجال إدارة الحملات الانتخابيّة للمرشّحين إلى مناصب مختلفة منها حملة "كريس كريستي" لمنصب الحاكم في عام 2009.
لا يتحدّث ستبيان كثيرًا أو طويلاً، ولا يدخل في جدل بيزنطيّ عميق، بل لا يرفع رأسه داخل البيت الأبيض، فهو مهموم بأمر واحد فقط، الرئيس ترامب نفسه، ورسم الخطوط العريضة له، وتخليصه من خيوط المؤامرات التي تُحاك من حوله.
والشاهد أنّه يومًا تلو الآخر، يبدو ترامب كمن يتخلّص من عبء فيروس ترامب، والفضل في ذلك للرجل الذي ساعده كثيرًا في الدخول إلى البيت الأبيض "ستيف بانون"، والذي نصح ترامب بأن يجمع الفريق الكبير الذي يقود الجهود الوطنيّة للاستجابة للفيروس من حوله، وأن يعقد مؤتمرات صحفيّة يوميّة، ويُظهِر كاريزميّة القيادة، ويتّخذ الإجراءات ويعرض الخطط الخاصّة بمواجهة الفيروس الشائه، كما يستعرض رؤيته لإعادة فتح المدارس أمام وسائل الإعلام، وتناول قضايا تعليق السفر مع الصين وأوربا، وكلّها تعني شيئًا واحدًا، وهو أنّ ترامب قائد قادر على الإمساك بزمام المبادرة لانتشال أميركا من وهدة الضياع.
لم يضيِّعْ ترامب كثيرًا من الوقت، فقد عمل بنصيحة بانون من خلال مجموعة القنوات المؤيّدة له وفي المقدمة منها "فوكس نيوز"، الأمر الذي حرّك استطلاعات الرأي لصالحه للمرّة الأولى منذ بضعة أشهر.
هل هناك عنصر آخر يجعل ترامب محبوبًا ومرغوبًا في عيون الأميركيّين؟
الذين لديهم علم من كتاب الشعب الأميركيّ يدركون أن العامل الحاسم هو الداخل أكثر من الخارج، وفي تراتبيّة الداخل يأتي الاقتصاد قبل أيّ عنصر آخر.
هنا يدرك الأميركيّون جيّدًا أنّ ترامب هو الجواد الرابح، وأنّ بايدن الذي تقول بعض المصادر إنّه يعاني من سنوات الخرف الذهنيّ الأولى، لا يمكنه انتشال أميركا من أزماتها وصراعاتها مع الصين بنوع خاصّ.
هذه المرّة سيعود الشعار "إنه الاقتصاد"، مرّة جديدة ليخيِّم على رؤوس الأميركيّين لصالح الرئيس ترامب. هل من مشهد آخر يدعم ترامب في عيون الناخبين الأميركيّين؟
من المؤكَّد أنّ نجاح ترامب في التوصُّل إلى اتّفاق سلام بين الإمارات وإسرائيل، والذي يصبّ قطعًا في خدمة القضيّة الفلسطينيّة، قد وضعه من جديد في دائرة الضوء الإيجابيّ، لا سيّما وأنّه منذ أيّامه الأولى في البيت الأبيض، يحلم بأن يكتب اسمه في سجلّ القياصرة الأميركيّين عبر البوّابة الفلسطينيّة بنوع خاصّ.
هل يقترب ترامب من الاحتفاظ بمقام الرئاسة الأميركيّة لأربع سنوات أُخَر؟
ربّما علينا انتظار مفاجأة أكتوبر من ترامب، وللأمر حديثٌ آخر.