محمد خلفان يكتب:

الإمارات وإحياء مصطلح "مقاومة التطبيع"

فقدت العبارة التاريخية لفكرة مقاومة إقامة علاقات متكاملة بين الدول العربية والإسلامية مع إسرائيل، والمعروفة بـ”مقاومة التطبيع”، قيمتها المعنوية بعد أن اُبتذلت من دول تروج لمشروعات سياسية، خاصة إيران وتركيا، التي استخدمتها للتغطية على أهدافها الحقيقية، من خلال التضليل الإعلامي الذي مارسته على الفلسطينيين وعلى الشعوب العربية.

المصطلح استخدمته أطراف يعرف الكثيرون أن أنظمتها تقيم علاقات مباشرة مع الدولة الإسرائيلية، وللأسف أن بعضهم من زعماء الفلسطينيين أنفسهم، لم يكونوا نزيهين أو حتى محايدين في الوقوف بوجه إجراءات تقوم بها إسرائيل ضد الحقوق الفلسطينية، بل ساهم بعضهم في بناء الجدار، من خلال استيراد مواد بنائه.

وكانت تلك الأطراف، دولا وزعماء، تهادن إسرائيل وتلتزم الصمت على مخططاتها في ضم الأراضي الفلسطينية، وفي المقابل تجيش شعوبها وتحرض إعلامها ضد من يفكر في إقامة علاقة سياسية أو تجارية (التطبيع) مع إسرائيل، حتى لو كان ذلك الأمر سيؤدي إلى تحقيق بعض المصالح للشعب الفلسطيني، وربما السلام في المنطقة.

في خطوتها الجريئة، أعادت دولة الإمارات شيئا من قيمة هذا المصطلح، التي كان واضعو المصطلح يأملون تحقيقها. واليوم لو أن الإمارات اتخذت قرارا في مقاطعة العلاقة مع إسرائيل، سيكون لذلك معنى سياسي وقيمة تؤثر سلبا في إسرائيل.

الإمارات بخطوة مثل هذه تكون قد تبنت موقفا سياسيا تعاقب فيه إسرائيل، إن هي تراجعت وأنكرت ما تم الاتفاق عليه، على عكس من كانوا يستخدمون المصطلح من أجل تخريب المجتمعات العربية وإيذاء الإنسان الفلسطيني، لأن العلاقات الإسرائيلية خاصة الاقتصادية كانت قائمة، ولو بطريقة غير مباشرة، مع دول عربية وإسلامية.

عدد لا بأس به من الأنظمة السياسية العربية والإسلامية، وعلى رأسها تنظيمات فلسطينية وبينها إيران وتركيا تستمد شرعيتها السياسية من تبنيها مصطلح “مقاومة التطبيع”، معتبرة الهجوم على الدول التي تقيم علاقات مع إسرائيل أحد أوجه مقاومة الاحتلال، بينما هي في الحقيقة لم تفعل شيئا يذكر يدل على النية بتحرير الأرض الفلسطينية.

بخطوة مثل هذه تكون الإمارات قد تبنت موقفا سياسيا تعاقب فيه إسرائيل إن هي أنكرت ما تم الاتفاق عليه على عكس من استخدم المصطلح من أجل تخريب المجتمعات العربية وإيذاء الفلسطينيين

إسرائيلياً، وفي فترة ما قبل معاهدة السلام مع دولة الإمارات، لم يكن مصطلح “مقاومة التطبيع” قائماً أو فاعلاً، بل استبعدته من أجندتها التجارية والسياسية، لأن الإسرائيليين على علاقة فعلية مع الدول التي تعلن العداء معها، مثل نظام الحمدين في قطر وأردوغان في تركيا.

كل التهديدات بإطلاق الصواريخ على إسرائيل، أو رميها في البحر، لم تكن إلا قصصا خيالية الهدف منها كسب الوقت للاستمرار في تحقيق مكاسب سياسية، وتخدير الشعب الفلسطيني حتى لا يفكر في المستقبل والعيش بسلام واستقرار.

في كل مراحل “مقاومة التطبيع” كان يحدث شيئان اثنان؛ الأول: تسارع خطى الاستيطان الإسرائيلي وقصف القرى الفلسطينية. والثاني: تزايد عمليات التدمير للدول العربية وإضعافها من قبل إيران وتركيا والتنظيمات التابعة لها، وكأن تحرير فلسطين يبدأ بتخريب الاستقرار العربي، حتى وصل الأمر بإسرائيل إلى مرحلة بدت فيها مطمئنة من أن أي ردة فعل من أصحاب “مقاومي التطبيع” الوهميين، لن تلحق بها الضرر.

ما سبق استعراضه يشجعنا للقول إن مستقبل القضية الفلسطينية سيكون أفضل نسبياً، لأن الجزم والقطع غير موجودين في السياسة. من اعتادوا الاتجار بمصطلح “مقاومة التطبيع” سيكونون أمام متغير جديد يتمثل في عدم وجود فرصة للقيام بمناورات سياسية غير حقيقية؛ لأن دولة الإمارات، وهي من أهم المؤثرين الحقيقيين في القضية، فضحتهم وكشفت أكاذيبهم.

لقد ظل مصطلح “مقاومة التطبيع” شماعة لتدمير العرب، واليوم نحن أمام حقيقة جديدة تقوم على التعامل المباشر مع إسرائيل للوصول إلى نتائج عملية منحت الأمل للفلسطينيين والعرب، العقلانيين، أن يروا نوراً في نهاية نفق القضية الفلسطينية.

دولة الإمارات، مثلما قادت العرب إلى قصص نجاح في العديد من التجارب التنموية، لديها ما تقدمه للمنطقة وللفلسطينيين، فهي تعمل دائما من أجل تحقيق “الأفضل للإنسانية”.