محمد خلفان يكتب:

الإمارات وانفلات الغضب العربي

لو طرحت سؤالا على أي متابع لردود الفعل العربية على معاهدة السلام التي وقعتها دولة الإمارات مع إسرائيل، وغيرها من المبادرات التي كانت موضع اختلاف مع مواقف الآخرين، مثل النظام التركي أو تنظيمات سياسية مثل تنظيم الإخوان المسلمين، فإن إجابته لن تخرج عن شخصنة تلك المواقف وتحويلها إلى قضايا خاصة، وكأن الإمارات اعتدت عليه. وربما يطغى على إجابته وكلامه بعض المهاترات والتجريح السياسي، وكأن الإرث الثقافي العربي لا يجيد غير هذا الأسلوب الرخيص.

والغريب تأتي الردود ويحدث كل ذلك، رغم أن مبادرات دولة الإمارات تصبّ في صالح القرار العربي، الذي أضاع الكثير من الفرص التنموية للنهوض بإنسان هذا المجتمع، بسبب سلبية قادته بدءا من القضية المركزية لكل العرب، وهي القضية الفلسطينية، ليلحق بها في ما بعد اليمن وليبيا وسوريا، إلا أن الردود العربية الشعبية، وأحيانا الرسمية، تبذل جهدا في إنكار حسن النوايا الإماراتية.

والأشد غرابة أن تفتح الردود ملفات لا علاقة لها بموضوع الاختلاف بتاتا، بل تعمل على استثارة الرأي العام العربي وتحريضه على دولة الإمارات من أجل خلق خصومات “وحكايات” لا ترقى بمستوى قيادات سياسية، أو قامات مجتمعية ينتظر منها إدارة الاختلافات أو حتى الخلافات بعقلانية والترفع عنها لمواجهة تحديات كبرى تهدد المنطقة العربية في كل مكان.

المنطقة العربية منذ الأيام الأولى لما سمي بـ”الربيع العربي” تمر بمرحلة تحوّل سياسي وثقافي كبيرين، المجاورون لها لديهم مشاريعهم السياسية، يعملون على تحقيقها بكل تركيز، بل يستخدمون بعض أبناء المنطقة ممن تم التغرير بهم وخداعهم لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية. في حين أن أبناء المنطقة من العرب جلسوا أسرى الإرث السياسي والثقافي منذ أيام الستينات من القرن الماضي، مكتفين إما بسرد أمجاد عفا عليها الزمن، وإما بالتذكير بملفات لا علاقة لها بما يحدث الآن، ولا تضيف جديدا في الحراك العالمي، سوى تخدير تفكيرهم بنظرية المؤامرة التي توهمهم بأن كل مشاكلهم قد حلت!

الاختلاف في الرأي بين الدول يحدث أحيانا، وقد يصل إلى مستوى الخلاف؛ وهو شيء لا بد منه في العلاقات الدولية، لأن لكل دولة مصالحها الخاصة التي ليس شرطا أن تكون مرتبطة بالآخرين، فالمسألة قرارات سيادية. ما هو غير مقبول أن يكون أحد وصيا على دولة الإمارات، ويمنح لنفسه الحق في الاعتقاد بأن هذا القرار مناسب أو غير مناسب، بل وصل الأمر ببعض السياسيين إلى حدّ التخاطب فيه مع دولة الإمارات بمنطق الشارع، سواء بالتقليل من مكانتها أو بتحريض أبناء الجاليات بالقيام بممارسات ضد الدولة.

يبدو أن التجريح السياسي لدولة الإمارات وقيادتها بات لازمة عند بعض الدول العربية، بسبب حساسيتها الزائدة مما تقوم به الإمارات وقيادتها من إنجازات على أرض الواقع، وعجزها عن مجاراتهما جعلها لا تستحمل أن ترى أي نجاح لهما، فتجدها تغرق في السب وكأن ما تقوم به الإمارات مقصود به إلحاق الضرر بها. والأغرب من كل هذا أنه على الرغم من الشتم تجدها تبحث عن أقرب فرصة للعيش في الإمارات.

إن الانتقاد والشتائم الموجهة إلى دولة الإمارات، التي تصدر عن قلة قليلة من الشعب العربي وقياداته، تفوق ما يصدر عن شعوب أخرى، بما فيها الأتراك والإيرانيون، رغم كل الخلافات معهم، ربما لأنهم مشغولون بتطوير مجتمعاتهم أو البحث عن لقمة العيش، في حين أن الآخرين لديهم الكثير من وقت الفراغ والملل النفسي الذي يقضونه في سرد حكايات من التاريخ الغابر.

ولو أخذت كل دولة عربية بمنطق دولة الإمارات في التركيز على البناء الداخلي ومناقشة القضايا المهمة، وتركت نظريات المؤامرة التي تتوهم فيها أن الإمارات مشغولة بها فإنني أجزم بأن حال الكثير من هذه الدول ستتغير، بل ربما تحقق قصة نجاح جديدة تضاف إلى نجاحات الإمارات.

علمنا تاريخ الإمبراطوريات الإسلامية والعربية درسين، الأول: أن الخلافات الداخلية وانقسام المجتمع على نفسه مصيره الفوضى والتدخل الخارجي الذي لن يقدم خدمة سياسية دون مقابل.

والثاني: أن من يشغل نفسه بقضايا الآخرين ويغض النظر عما يحدث في وطنه من فشل سياسي واقتصادي سيتركه الآخرون جالسا في مكانه، يسرد تاريخه ويمجده، دون حراك ولو خطوة إلى الأمام، وعندما يستفيق من نشوته الوهمية يجد أن المسافة التنموية بينه وبين الآخر كبيرة.