خير الله خير الله يكتب:
ذكرى حرب 1973 بطعم خاص
مرت أمس الذكرى الـ47 لحرب تشرين أو أكتوبر 1973. للذكرى في هذه السنة طعمها الخاص في ضوء ثلاثة أحداث في غاية الأهمّية على الصعيد الإقليمي. هناك الحدثان المرتبطان بتوقيع اتفاقي سلام بين دولة الإمارات العربية المتحدة من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. وهناك الحدث الثالث المتعلّق بلبنان بعد إعلان رئيس مجلس النوّاب نبيه بري عن اتفاق على إطار للمفاوضات في شأن ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل.
تعكس الأحداث الثلاثة وجود أجواء جديدة ومختلفة في المنطقة فرضتها معطيات بدأ التأسيس لها في مرحلة ما بعد حرب 1973 وما تلاها. في مقدّم هذه المعطيات أنّه لا وجود لشيء اسمه الحرب من أجل الحرب. لم تشارك دولة الإمارات مباشرة في آخر حرب عربية – إسرائيلية. لكنّ الإمارات كانت طرفا فاعلا ومؤثرا في تلك الحرب من خلال الدعم الذي قدّمته لمصر وسوريا.
كان الشيخ زايد بن سلطان يقول في تلك المرحلة إن “النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي”. لم تبخل الإمارات وقتذاك بشيء من أجل المعركة التي خاضتها مصر وسوريا من أجل استعادة الأرض المحتلة في العام 1967.
يمكن التحدث عن بطولات عربية في تلك الحرب حين استطاعت القوات المصرية تدمير خط بارليف بعد تحقيق إنجاز “العبور”، أي عبور قناة السويس. أمّا على جبهة الجولان، فقد استطاعت القوات السورية تحقيق تقدّم في الأيّام الأولى للحرب التي شهدت بعد ذلك تراجعا على الجبهتين.
فهم الرئيس المصري أنور السادات باكرا أنّه ممنوع هزيمة إسرائيل. سارعت الولايات المتحدة إلى توفير جسر جوّي مدّ إسرائيل بالأسلحة التي تحتاج إليها من أجل شنّ هجوم مضاد. سمح ذلك للقوات الإسرائيلية بالعبور إلى الضفة الأخرى المقابلة لقناة السويس ومحاصرة الجيش المصري الثالث، في ما عرف بـ”الدفرسوار”. على الجبهة السورية صارت القوات الإسرائيلية على مرمى حجر من دمشق. السؤال الذي طرح نفسه كيف البناء على ما تحقّق عسكريا بإيجابياته وسلبياته؟
كان مطلوبا البناء على ما تحقّق. سار كلّ طرف عربي من طرفي الحرب في طريقه. اختار أنور السادات الذهاب إلى القدس وإلقاء خطاب في الكنيست. بعد أقلّ من ستّ سنوات على حرب 1973، وقعت مصر وإسرائيل معاهدة سلام. كان ذلك في آذار – مارس 1979. استطاعت مصر استعادة كلّ أراضيها المحتلة في 1967 وعندما رفضت إسرائيل التخلي عن طابا، لجأت مصر إلى محكمة العدل الدولية التي وقفت معها. كانت النتيجة الانسحاب الإسرائيلي من طابا.
في المقابل، فضّل حافظ الأسد السير في طريق أخرى بعدما وجد أنّ في استطاعته الاستفادة إلى أبعد حدود من الفراغ الذي خلّفه الانسحاب المصري من النزاع العربي – الإسرائيلي. الأهمّ من ذلك كلّه أن الأسد الأب اتخذ قرارا بوضع اليد على القرار الفلسطيني. ساعده في ذلك إلى حدّ كبير ياسر عرفات الذي كانت نقطة ضعفه الأساسية تكمن في الاعتقاد بأنّ وجوده العسكري في لبنان سيحقّق له مكاسب سياسية، حتّى لو كان ذلك على حساب تدمير لبنان عن بكرة أبيه. كذلك، اختار حافظ الأسد أن يكون لبنان الجائزة الكبرى بالنسبة إليه في ظلّ قبول إسرائيلي وأميركي بوصايته على جاره الصغير.
أمضى أبوعمار الذي لا يمكن الشكّ بأنّه القائد التاريخي للشعب الفلسطيني كلّ حياته يبحث عن مكاسب سياسية من خلال البندقية الفلسطينية. ولمّا تحقّقت له العودة إلى فلسطين، في مرحلة ما بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 1982، لم يدرك أن الوقت لا يعمل لمصلحته وأن في اتفاق أوسلو ما يكفي من الثغرات كي يعمل اليمين الإسرائيلي على القضاء عليه.
أخذ الخط الذي اتبعه حافظ الأسد سوريا إلى ما آلت إليه الآن، خصوصا أنّ خليفته بشّار الأسد اتخذ قرارا واضحا بوضع البلد في خدمة إيران ومشروعها التوسّعي.
ما نشهده في السنة 2020 هو انتصار للسياسة الواقعية التي انتهجها أنور السادات الذي رفض إضاعة البوصلة ووضع مصلحة مصر فوق كلّ ما عداها. عرف أن الوقت لا يعمل لمصلحة بلده الذي يواجه تحديات من نوع آخر، بما فيها تحدّي النمو السكاني المخيف والحاجة إلى نفط سيناء وآبار الغاز فيها. فضّل حافظ الأسد لبنان على استعادة الجولان فخسر بشّار الأسد سوريا ولبنان.
يظلّ عامل الوقت في غاية الأهمّية. يذهب لبنان إلى ترسيم حدوده مع إسرائيل، علما أنّه كان عليه أن يفعل ذلك في العام 1983. في النهاية لم يدرك لبنان مصلحته في يوم من الأيّام. لم يتعلّم اللبنانيون شيئا من بقاء بلدهم خارج حرب 1967. لم يعرفوا يوما ما هي إسرائيل التي لا يمكن تجاهل عدوانيتها تجاه الشعب الفلسطيني ووجود أطماع لها في الضفّة الغربية وليس في أيّ مكان آخر.
رفضت إسرائيل دائما أيّ اتفاق مؤقت ومرحلي مع الأردن بعد حرب 1973 من أجل التوصل إلى ترتيبات في شأن أريحا كخطوة أولى على طريق الانسحاب من الضفّة الغربية والتوصل إلى معاهدة سلام. قبلت مثل هذا النوع من الاتفاقات مع مصر ومع سوريا. لكنّها لم تقبل مع الأردن لسبب فلسطيني وليس لأي سبب آخر.
كان في استطاعة الإمارات والبحرين انتظار الوقت المناسب للإقدام على خطوتيهما. وهذا ما فعلتاه. البلدان، لا يتأثران بعامل الوقت مثل لبنان. ينظران إلى المنطقة من زاوية استراتيجية في ظلّ تغييرات كبيرة تحصل على كلّ صعيد.
مسكين لبنان. اكتشف في 2020 ما اكتشفه أنور السادات في العام 1973 مباشرة بعد الحرب التي خاضتها مصر مع إسرائيل. هل يمكن القول إن لبنان يتصالح مع المنطق والواقع بعد فوات الأوان أم لا يزال هناك ما يمكن إنقاذه من البلد؟
بعد 47 عاما على حرب تشرين أو أكتوبر 1973 تغيّرت المنطقة وتغيّر العالم. هناك لذكرى الحرب طعم مختلف هذه السنة. هناك من يريد أن يفهم وهناك من يريد ألّا يفهم في عالم جديد لا مكان فيه سوى للذين ينظرون إلى بعيد. تنظر الإمارات والبحرين إلى بعيد وإلى مصلحتهما في منطقة تشهد عدوانية إيرانية وتركية، فيما ينتظر لبنان ضوءا اخضر من إيران لمعرفة هل تطلق سراحه، قبل فوات الأوان، وتسمح له بالعيش كدولة طبيعية في المنطقة أم لا؟ هذا ما يزداد صعوبة يوما بعد يوم.