عجائب الزمان لا تنقضي وغرائبه لا تنقطع، ومن آخرها حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في افتتاح دورة جديدة للبرلمان التركي، وهو حديث يعتبر من نكد الدنيا حيث تجرأ لأول مرة على إطلاق التهديدات ضد دول الخليج العربي.
الرئيس التركي معروفٌ بإطلاقه الشعارات والعنتريات الفارغة التي يحشد بها أتباعه وأتباع حزبه داخل تركيا، ويهيج بها مشاعر كوادر جماعات الإسلام السياسي التي يملأ صدورها الحقد الأسود ضد دول الخليج، والحسد ضد نجاحاتها التي تسابق بها الزمن نحو المستقبل والتقدم والرقي.
وفي كلمته أثنى على أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد، ولكنه لم يثن عليه ليمدحه بل ليجرح في قادة دول الخليج الأخرى، فهو مدحٌ لا يراد به المدح بل يراد به ذمّ الآخرين والتنقيص من قدرهم، ولم يدر الغارق بأوهامه أن مواطني دول الخليج لا يرون في العلوج الأعاجم المعادين لبلدانهم إلا أناساً يدعون إلى التهكم والسخرية.
درج غالبية مؤرخي المنطقة على تسمية الترك بالروم، لأنهم يأتون من بلاد الروم، وإن اعتنقوا الإسلام وذلك لثبات سياساتهم لقرونٍ ضد كل الشعوب التي احتلها العثمانيون، هذا كلام التاريخ وشهادة المؤرخين العرب وغيرهم، وهي شهادة المسؤولين الأوروبيين الذين عملوا في المنطقة ولولا خشية الإطالة لسردت الكثير من أقوالهم التي تؤكد هذه الحقيقة.
انعدام الدين والأخلاق تجعل الإنسان يعيش بلا رادعٍ ولا ضميرٍ تماماً كوحوش الغاب، وقد كانت دولة العثمانيين بالفعل دولة لا يعنيها الدين ولا تؤثر فيها القيم الإنسانية النبيلة، لا في السلم ولا في الحرب، وقد ورثت الدولة التركية تلك الصفات الذميمة عن أسلافها، وأردوغان تحديداً يقوم مشروعه على استعادة ما يعتبره أمجاداً للدولة العثمانية التي استعمرت العديد من دول المنطقة.
قال أردوغان بالنص: "علينا ألا ننسى أن البلدان المعنية لم تكن موجودة بالأمس وربما لن تكون موجودة في المستقبل، لكننا بإذن الله سنواصل رفع راياتنا في هذه المنطقة إلى الأبد"، هذا كلامه بحروفه دون زيادةٍ ولا نقصان، وهذا الحديث دافعه إليه الهزائم المتكررة التي ألحقتها دول الخليج به وبمشروعه الأصولي للهيمنة على الدول العربية، دون أن تقصد إليه قصداً، ولكن نجاحاتها في مشاريعها لنهضة بلدانها ورقي شعوبها ورفاه مجتمعاتها تصيب مشروعه التوسعي في مقتل.
هذا الكلام شديد العدائية لدول الخليج العربي وستكون له تداعيات مستقبلية، وبالتأكيد لا يمكن أن يكون أردوغان هو المنتصر فيها، وما يجعل العالم يسكت عن هذه التصريحات هو أن العالم تعلّم عبر سنواتٍ طويلة من التعامل مع أردوغان أنه لا يعني ما يقول ولا يؤخذ كلامه على محمل الجد، هذه خبرة الدول الأوروبية وأمريكا وروسيا وغيرها من الدول، وما أقسى أن يصبح كلام رئيس دولة في هذا العالم غير مهمٍ ولا يستحق المحاسبة.
أين ذهبت عنتريات أردوغان عندما انسحب يجر أذيال الخيبة من شرق المتوسط؟ وأين ذهبت تصريحاته النارية عندما حاول استعمار ليبيا ونهب ثرواتها بطرقٍ بشعةٍ وصفاقة لا تنتمي لثقافة هذا العصر ولا تراعي القوانين الدولية ولا تعترف بها؟ وأين تنظيم داعش الذي كان يدعمه بشتى السبل؟ كل هذا تلاشى وذهب أدراج الرياح، لأن العنتريات الجوفاء تختلف عن الاستراتيجيات والسياسات والأفعال.
كم هو معيبٌ ثناء أردوغان على دولة عربية صغيرةٍ يحتلها بقواعده العسكرية ويستنزف ثرواتها برضى قادتها، فثناء الخصم ذمٌ لو كانوا يعقلون.
ختاماً، فالمواجهة قادمةٌ ولكن في الوقت المناسب لتحقيق المصالح وإضعاف الخصوم، وعلى المعتدي تدور الدوائر.