محمد عبدالله القادري يكتب لـ(اليوم الثامن):

الحمدي وأتفاق الوحدة برئاسة سالمين

حسب ما ذكره محمد الحمدي في إحدى الفعاليات التي أقيمت في صنعاء بذكرى اغتيال شقيقه ابراهيم الحمدي ، انه دار حديث بينه وبين شقيقه قبل اغتياله بيوم واحد ، وقال انه ذاهب إلى عدن لإعلان تحقيق الوحدة اليمنية وقد تم الاتفاق على ان يكون الرئيس الجنوبي آنذاك سالمين ربيع علي رئيساً لليمن الموحد وفق طلب تقدم به ابراهيم الحمدي وأصر عليه ، فقال له شقيقه محمد وأنت أين سيكون موقعك بعد الوحدة ، فرد عليه ابراهيم لا يهمني شغل أي منصب وكل ما يهمني هو تحقيق الوحدة.

هذا التوجه يكشف أن الرئيس الحمدي كان لديه نظرة مختلفة لمشروع الدولة في اليمن وتحقيق الوحدة ، بعيداً عن المشاريع التابعة للخارج سواءً التي ترفع شعار القومية ، أو تنهج الاسلام السياسي ، فكلاها أصبحت مجرد قوى تقليدية تمركزت في شمال شمال اليمن اقليم آزال حالياً  وتسببت في ايجاد صراع على السلطة من بعد قيام ثورة 26 سبتمبر وهو ما أثر على شمال اليمن من خلال الانقلابات ، وسيؤثر على اليمن شماله وجنوبه بعد تحقيق الوحدة .

كان الحمدي يدرك ان نجاح مشروع الدولة في اليمن لن ينجح إلا وفق مشروع الوحدة ، ومشروع الوحدة لن ينجح إلا في حالة توحد الجنوب مع المنطقة الوسطى في اليمن محافظات إب وتعز والحديدة والبيضاء ، وعندما يكون الرئيس جنوبي كسالمين سيلتف حوله ابناء الجنوب وابناء المنطقة الوسطى وهنا سيتحقق التوازن في اليمن بما يوجد صف قوي ومشروع دولة يسانده وسط اليمن بما يعالج الصراع المناطقي في الجنوب ويصد الصراع النابع من شمال اليمن الذي يشكل خطر على مشروع الدولة والوحدة معاً .

الفكر الوحدوي الناضج تجلى عند الشهيد الحمدي في توجهه الحقيقي نحو تحقيق الوحدة الناجحة في اليمن بطريقة لم تشكل أي خطر او فشل تجاه الشأن الداخلي اليمني وتجاه الشأن العربي المتمثل بدول الجوار ، فالحمدي كان يهمه المصلحة اليمنية ، وتلك المصلحة تتمثل في وحدة اليمن واتحاده مع دول الجوار كالشقيقة المملكة ، إذ لو تحققت الوحدة في عهد الحمدي لتخلص اليمن الجنوبي  من البؤرة التي  شكلت الخطر ضد الخليج قبل عام 90 وازاح مشروع الدولة المتسبب بالفشل الاقتصادي الذي عاشه بعد فترة سالمين ، وأيضاً لم ينهج اليمن كشماله وجنوبه  كسياسة تؤثر على الجوار ويعيش مشروع دولة ضعيف كالذي حدث من بعد تحقيق وحدة 90 .
أي ان تحقيق الوحدة لو نجح عام 1977 وفق الرؤية التي يحملها الحمدي لتحقق مشروع دولة قوي في اليمن ولتوجهت اليمن بعدها لتكون ضمن مجلس التعاون الخليجي ولكانت اليوم لا فرق بينها وبين دول الجوار في الوضع الاقتصادي والتنموي.

لم يكن ابراهيم الحمدي متأثراً بافكار الحركات القومية والتيارات اليمينية واليسارية آنذاك التي كانت مشكلتها انها تحارب الدين.
ادعاءات بعض التيارات بتبعية الحمدي لها كذب ، وادعاءات اصحاب الاسلام السياسي انه كان يحارب الدين كذب أيضاً ، فالرجل كان مستقيماً وخطيباً مفوهاً وقام باعتماد المعاهد العلمية التابعة للاخوان ، وكان خلافه مع اصحاب الاسلام السياسي بسبب انهم يريدون مشروع الدولة كقوة تقليدية متمثل بالقبيلة .

ايضاً لم يكن الحمدي مختلفاً مع دول الجوار ، وكان يحظى باحترام كبير من قبل المملكة العربية السعودية واستجابت له في تقديم عدة خدمات للمغترب اليمني والمشاريع التنموية .

اختلاف الحمدي كان مع القوى التقليدية كجماعات وتيارات اسلامية وقومية بسبب نظرتها  للوصول للسلطة بعقلية القبلية واستخدام القبيلة في الشمال كصنعاء وما جاورها .
وسبب اغتياله كان بسبب توجهه نحو تحقيق الوحدة وجعل سالمين رئيس لليمن وهو الأمر الذي سيغلق الابواب امام تلك القوى التي يهمها ان تحكم اليمن شماله وجنوبه في ظل الوحدة او تنفرد بشماله بدون الوحدة.

من قتل الحمدي هو الغشمي ، وهو مدفوع من تلك القوى التقليدية ، ولم يكن مدفوع من قبل السعودية او غيرها ، إذ لو كان كذلك لحظي بدعم بعد تولي الرئاسة ولحافظت عليه السعودية ووفرت له الحماية الكبيرة حينها.