الحبيب الأسود يكتب:

بريد كلينتون يفضح قطر وينصف السعودية

الكشف عن الرسائل الإلكترونية لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، جاء قبيل شهرين من الذكرى العاشرة لاندلاع الشرارة الأولى لما سمي بالربيع العربي انطلاقا من تونس، ليؤكد أن لا شيء في منطقتنا متروك للصدفة، وأن نظرية المؤامرة ليست دائما مرضا نفسيا كما يريد المتآمرون إقناع ضحاياهم، بل هي في جانب كبير منها نظرية صحيحة، تنبثق عن طبيعة الصراع الأزلي على السلطة والنفوذ.

كشفت الرسائل عن الدور المحوري الأميركي في الأحداث الفوضوية التي كانت تونس ساحة مرانها الأول قبل أن تنتقل إلى دول أخرى، وعن تطلع واشنطن لتمكين الإسلام السياسي من حكم الدول التي أطيح بأنظمتها، وكذلك عن تبعية الإخوان التامة للولايات المتحدة، وعن دور قطر الخبيث في دعم المشروع وتمويله وتسليح الميليشيات والجماعات الإرهابية المكلفة بتحقيقه وتأسيس منصاته الإعلامية التي لا تزال إلى اليوم مستمرة في تنفيذ مخططها التخريبي.

تحولت قطر إلى “منتج منفذ” لمسلسل الفوضى الخلاقة، واستطاعت أن تستقطب جحافل من الكومبارس من مختلف الاتجاهات لتنفيذ مشاهد الوصول بالإخوان إلى الحكم، وكانت أميركا من وراء المحيط تقوم بدور المؤلف والمخرج، فيما أعطي للإسلام السياسي دور البطولة، رغم أنه دور يتجاوز إمكانياته، لذلك ورغم كل الخسائر المسجلة، جاء المشروع مشوّها، وفشل في الاستمرار.

إن أي محاولات من قبل منصات البروباغندا القطرية والإخوانية للتشكيك في صحة ما ورد في “إيميلات” هيلاري كلينتون لا تجدي، والسبب أن أغلب ما ورد فيها كان معروفا للجميع

أكدت “إيميلات” كلينتون أن مصر كانت مستهدفة في كيانها كدولة ومؤسسات وكمجتمع وموحدة وطنيا، وأنه تم دفع مبالغ ضخمة للساعين إلى ذلك من الناشطين والفاعلين السياسيين، وأوضحت أن حكم الإخوان لم يكن وطنيا ولا ديمقراطيا، وإنما كان تحت سيطرة فرد وهو المرشد العام للجماعة، وأنه تم الاتفاق مع الرئيس الإخواني محمد مرسي على تفكيك وزارة الداخلية باعتبارها تمثل رمزا لمركزية الدولة ووضعها الأمني والإداري، وبينت دور قطر ووزير خارجيتها آنذاك حمد بن جاسم في التحريض على الفوضى في مصر.

تحدثت الـ”إيميلات” كذلك عن ليبيا ودور واشنطن في دعم الجماعات الإرهابية في العام 2011، واتهمت رئيس المجلس الانتقالي آنذاك مصطفى عبدالجليل، المدعوم من قطر بالتورط في الأمر باغتيال اللواء عبدالفتاح يونس، الذي كان قائدا للمعارضة بزعم اتصاله بسيف الإسلام القذافي، وأكدت العلاقة القوية بين واشنطن والإرهابي عبدالحكيم بالحاج الذي كان سفيرها المغتال في بنغازي، كريستوفر ستيفنز، يصفه بالقول إنه “ابننا”، وفضحت حتى رجل الأعمال الليبي المقيم في الولايات المحتدة والذي كان كثير الظهور على قناة “الجزيرة” عمر التربي الذي تبين أنه وراء مد الناتو بالإحداثيات لقصف المواقع في بلاده الأصلية، بما في ذلك الموقع الذي قتل فيه أحد أبناء القذافي وهو سيف العرب في الثلاثين من أبريل 2011.

وكشف بريد كلينتون عن الدور التخريبي الأميركي القطري الإخواني في اليمن، وعن الدعم الذي توفر لناشري الفوضى والساعين لإسقاط الدولة، وعن علاقة الوزيرة الأميركية من خلال إدارتها بجماعة الإخوان، وتهليل فريقها لحصول توكل كرمان على جائزة نوبل، وتوصيتها بأن تكون كرمان وزيرة للخارجية اليمنية.

وفيما أعطت الـ”إيميلات” أدلة جديدة على حجم المؤامرة التي تتزعمها قطر بالتنسيق مع قوى الإسلام السياسي ضد دول المنطقة، ودورها التخريبي الذي أدى إلى سقوط عشرات الآلاف من القتلى، وتشريد الملايين من العرب، وتبديد حوالي تريليون دولار باسم ثورات الربيع العربي، في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وكشفت عن مشروع واشنطن في عهد أوباما الذي كان يستهدف جميع الأنظمة والشعوب العربية دون استثناء، بما في ذلك البحرين التي تعتبر من أبرز الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، عبر دعم مخطط الفوضى الطائفية المدعومة من إيران، كشفت عن وجه مشرف للمملكة العربية السعودية التي رفض قادتها آنذاك المساومة في ما يتعلق بثوابتهم المبدئية وأمنهم القومي.

فبحسب إحدى الوثائق، وبعد قرار توجيه قوات درع الجزيرة إلى البحرين للتصدي للشغب الذي عرفته البلاد في العام 2011، اتصلت كلينتون بسفير المملكة بواشنطن في تلك الفترة عادل الجبير، وسألته “لماذا أنتم ذاهبون إلى البحرين؟” فرد عليها “لتقديم الدعم المعنوي”، ولما هددته بتعرض العلاقات بين واشنطن والرياض إلى أزمة، أجابها “قواتنا على الجسر سوف تدخل اليوم”، ولما اتصلت بوزير الخارجية آنذاك الأمير الراحل سعود الفيصل لتجادله في الأمر أغلق في وجهها الهاتف.

أدرك السعوديون المخطط الذي كان يستهدف المنطقة، وحجم المؤامرة التي تحاك وتنفذ بمشاركة الصديق الأميركي، وفي إحدى الرسائل تقول كلينتون “السعوديون لم يعودوا يثقون بنا في أخذ مصالحهم بعين الاعتبار أو لحمايتهم من أعدائهم. بعد ما حدث في ديسمبر 2002 الولايات المتحدة عندما أرادت غزو العراق عارضت السعودية ذلك بشدة”.

تحولت قطر إلى "منتج منفذ" لمسلسل الفوضى الخلاقة، واستطاعت أن تستقطب جحافل من الكومبارس من مختلف الاتجاهات لتنفيذ مشاهد الوصول بالإخوان إلى الحكم

وربما كان الدبلوماسي الأميركي تشارلز دبليو فريمان، الذي كان سفيرا بالرياض إبان حرب الخليج، الأكثر قراءة للوضع السعودي، عندما قال في رسالة موجهة إلى كلينتون حول طبيعة المملكة وشعبها “إن السعودية هي المجتمع الوحيد على هذا الكوكب الذي لم يخترقه الاستعمار الغربي ولم تحتله أي جيوش أوروبية، وعندما وصل الغرب أخيرا إلى السعودية لم يجدوا أنفسهم كمحتلين بل عمالة مستأجرة بمقابل”.

مضيفا “على عكس بعض الدول الأخرى في الخليج، استثمرت المملكة ثروتها النفطية في الداخل، وليس في الخارج، ورغم ذلك كانت المملكة سخية بالمساعدات الخارجية، وفي وقت من الأوقات كانت تتبرع بـ6 في المئة من الناتج القومي لمساعدة الدول الأخرى خاصة المسلمة”.

إن أي محاولات من قبل منصات البروباغندا القطرية والإخوانية للتشكيك في صحة ما ورد في “إيميلات” هيلاري كلينتون لا تجدي، والسبب أن أغلب ما ورد فيها كان معروفا للجميع ما عدا بعض التفاصيل الدقيقة، وأن العلاقة بين إدارة كلينتون ونظام الدوحة والإخوان والإرهاب معلنة وعليها شواهد تثبتها. وما خفي كان أعظم.

الدولة العميقة في الولايات المتحدة لا يمكن أن تفصح عن كل الوثائق، ولا أن تفضح كل ممارساتها رغم حجم الاختلاف بين الحزبين المتصارعين على السلطة، لأنها بذلك تكشف عن مدى تمردها على جميع القيم الأخلاقية في علاقاتها بالآخرين، وخاصة بمن تعتبرهم أصدقاء لها، وهو ما تبين بالخصوص من خلال ما سمي بثورات الربيع العربي.