محمد خلفان يكتب:

إيران.. والإصرار على "تأزيم العراق"

تثبت الأحداث الميدانية الجارية خلال هذه الأيام أن النظام السياسي الإيراني مصمم على “تأزيم” المجتمع العراقي وربما تدميره وذلك من خلال خلق فوضى سياسية وطائفية تقوم بالوكالة عنها الميليشيات الموالية لها، والتي تقدر حسب البيانات المتداولة بأكثر من أربعين فصيلا.

هذا التصميم أو الإصرار الملفت لم يأت دون إدراك ووعي من قيادة النظام الإيراني، على مدى أربعة عقود، لما يعنيه وجود عراق قوي في جواره الجغرافي، ولذلك كانت حرب 2003 فرصة مواتية لإضعافه. فالحقيقة الثابتة أن الموقف الإيراني من إضعاف العراق ناتج عن تقييم موضوعي سياسي واستراتيجي من أعلى دوائر صنع القرار. ورغم أنه ممسك بأربع عواصم عربية وهي، دمشق، وبيروت، وصنعاء إلا أن الخناق على بغداد أكبر وأشد.

بل إن طريقة إدارة الفوضى في العراق تختلف عن العواصم الأخرى، ففي حين نجد ذلك في العواصم الثلاث يتم عن طريق ميليشيا وحيدة مثل حزب الله في لبنان وسوريا، والحوثي في اليمن، نجد أنه في العراق مبني على توزيع الأدوار بين الميليشيات، حيث تجد هناك من يصعد، وهناك من “يحاول” أن يبدو إعلاميا أنه يدعو للحفاظ على العراق.

الخناق الإيراني للعراق شمل كل مفاصل الدولة وهذا شيء مؤسف ولم يقتصر على السياسة فقط، بل الاقتصاد الإيراني الذي يواجه عقوبات دولية يتنفس من "الرئة العراقية"

الشيء الواضح أن هناك سياسة عدوانية إيرانية تتولاها الميليشيات العراقية ضد كل المحاولات والجهود الداخلية والدولية التي يقوم بها رئيس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي، منذ وصوله للسلطة قبل خمسة أشهر، من أجل إعادة هيبة الدولة العراقية عن طريق السيطرة على السلاح المنفلت لدى الميليشيات والعشائر وعودة العراق إلى لعب دوره الحضاري والإنساني.

أغلب تصريحات الكاظمي حول السياسة الخارجية، إن لم تكن كلها، مركز على إقامة علاقات متوازنة مع الجميع بما فيها إيران، لأنها دولة جارة وترتبط بعلاقات تاريخية وثقافية مع العراق، ولكن الغطرسة الفارسية أفقدت قادة إيران الرؤية لتحقيق مصالح شعبهم وجوارهم الجغرافي.

لا يخفى على أحد أن العراق بعد عام 2003 أصبح بمثابة “حديقة خلفية” لإيران، يقوم قادة الحرس الثوري وأذرعهم الطائفية بفعل ما تريده طهران منهم، ليبدو الأمر وكأن مصير العراق والعراقيين تحت رحمة السياسات الإيرانية. وللأسف، كل ذلك يتم بمساعدة من بعض العراقيين ممن قبلوا أن يكونوا تابعين لإيران.

إن الجريمة الإنسانية التي حدثت في محافظة صلاح الدين، مؤخرا، والتي راح ضحيتها ثمانية عراقيين واختفى إثرها أربعة آخرون، وتمت من قبل إحدى الميليشيات الطائفية، هي رسالة إلى حكومة الكاظمي وإنذار بعدم تخطي المصالح الإيرانية في العراق، حتى لو كان الهدف استعادة هيبة الدولة العراقية، وإعادة المهجرين والنازحين من مواطنيه، الذين غادروا قهرا لأسباب طائفية، إلى مناطقهم الأصلية.

الحقيقة الثابتة أن الموقف الإيراني من إضعاف العراق ناتج عن تقييم موضوعي سياسي واستراتيجي من أعلى دوائر صنع القرار

الخناق الإيراني للعراق شمل كل مفاصل الدولة وهذا شيء مؤسف ولم يقتصر على السياسة فقط، بل الاقتصاد الإيراني الذي يواجه عقوبات دولية يتنفس من “الرئة العراقية”؛ حيث أن الصادرات الإيرانية تجد رواجها في السوق العراقي، كما أن الشركات الفاعلة والنشطة في العراق إما أنها إيرانية، مثل شركة الطاقة، أو لا بد أن تلقى قبولا من النظام الإيراني.

هذا المشهد جعل العراق يبدو وكأنه مجرد عمق استراتيجي لإيران، لذا نجد العراق هو الساحة التي يقاتل فيها الإيرانيون أعداءهم ومنافسيهم، بل إننا نجد أن هذا النظام يكشر عن أنيابه السياسية البغيضة في وجه أي سياسي أو إنسان وطني يعمل على أن يكون العراق دولة ذات سيادة، كما يحدث مع الكاظمي حاليا، الشخص الذي يبذل جهدا لاستعادة العراق.

الشعب العراقي حدد منهجه في استرجاع دولته المختطفة من خلال الثورة الوطنية التي تحتفل في الخامس والعشرين من أكتوبر الحالي بمرور عام على قيامها، ويبقى على الآخرين من الدول العربية استلهام الفكرة لمعرفة أسلوب تعامل النظام الإيراني مع العرب، عندما يقررون الانفكاك عن إيران أو الابتعاد عن سيطرتها. إصرار إيران على تأزيم الوضع في العراق دليل لما يحمله هذا النظام من نوايا ضد الدول العربية، فهي لا تخرج عن أن تكون أوراقا سياسية للتفاوض مع الآخرين.