محمد خلفان يكتب:
حقوق المسلمين التاريخية.. ومنطق مهاتير
لم نكن كمسلمين تنقصنا تفسيرات مهاتير محمد، رئيس الوزراء الماليزي السابق، كي يؤكد لنا أن من حق المسلمين قتل ملايين الفرنسيين انتقاماً على جرائم فرنسية ارتكبت ضدهم خلال حقبة الاستعمار الفرنسي لدول تدين بالإسلام، وذلك في تبريره لسياسة المقاطعة للمنتجات الفرنسية، بعد إساءة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للنبي محمد.
منطق تبريري لا يمكن أن يستند إلا على رصيد فكر تنظيم الإخوان المسلمين المتطرف؛ رأيناه في مصر خلال فترة فوضى ما عرف باسم “الربيع العربي”، عندما كان أبناء الشعب المصري يقتلون انتقاماً لرفضهم حكمهم أثناء فترة محمد مرسي وتسلطهم عليه. الإسلام والمسلمون ليسوا في حاجة إلى مثل هذه النصائح، وربما العملية الأخيرة في فيينا التي قام بها متطرف مسلم من الشيشان لا تخرج بعيداً من هذا التبرير.
كلنا يعرف أن مهاتير محمد شخصية سياسية إسلامية عملت على توحيد كل الاختلافات الدينية والعرقية في بلاده، ونجح في نقل الشعب الماليزي من مستوى معيشي متدنّ ليمثل أفراده تجربة تنموية يتم استنساخها، ولكن في هذه النصيحة أو هذا التبرير وكأنه امتلكه الحنين إلى أصل الفكر السياسي للجماعة التي ينتمي إليها. لأنه كما تقول الثقافات التراثية “طائر الكناري يسمعك أجمل تغريدة عندما يشعر بقرب احتضاره”. ربما كانت هذه أفضل فكرة يطرحها وهو يشعر أن لحظة احتضار تنظيم الإخوان المسلمين دنت، وأن فكرهم المتطرف بدأ يتقلص في العالم، وهو ما يدفعه لأن يخرج لنا بهذا اللحن النشاز عن الطبيعة النقية للإنسان المسلم ودينه.
لعل مهاتير محمد وهو يقدّم هذه النصيحة الغريبة، حتى وإن بررها فيما بعد بأنها فهمت خطأ، لم يطّلع على الجهود السياسية التي بذلتها وما زالت تبذلها قيادات عربية وإسلامية، وفي مقدمتهم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وليّ عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في توضيح الفرق بين سلوكيات بعض المسلمين المتطرفين وبين الدين الإسلامي ومبادئه الداعية للتعايش ونبذ التطرف.
هناك من يستخدم الدين وسيلة لتحقيق أهدافه السياسية والتخريبية، بل البعض يستخدم الدين للبقاء على الساحة الإعلامية، بعدما اختفى عن الساحة السياسية، وكأنه يقوم بدور، رئيس وزراء مشتاق للإعلام، حتى ولو كان بدعوة تدعو إلى تخريب تاريخه الشخصي أو جهود غيره في تصحيح الفهم الخاطئ لدى البعض عن الدين الإسلامي السمح.
بغض النظر عن موقف إيمانويل ماكرون وإساءته للنبي محمد، هناك تضامن دولي ضد التطرف، أياً كان منبعه، وليس الدين الإسلامي فقط الذي ابتلي بتفسيرات وتبريرات لا أساس لها، وكما أن البيئة الدينية حتى في الطائفة الواحدة مليئة بإرث من المشاحنات فإنه من غير المقبول استخدام “اللحظة” الخاطئة لتحقيق الشهرة الإعلامية على حساب تفسيرات غير واضحة، لأنها ستؤدي إلى نتائج كارثية ربما لا ندرك أبعادها.
ما نريد قوله إن تفسيرات مهاتير ومنطقه الغريب، ولو كان سهوا غير مقصود، لا تلزمنا في هذا التوقيت، الذي يشهد عودة داعش وفكره، خاصة في أوروبا. أما من ناحية ما فعله المستعمر الفرنسي عندما كان يحتل دولا إسلامية فالجميع متفق على أنه أصبح جزءا من الماضي، إضافة إلى أن تلك الحقبة لها أدواتها للحصول على تعويضات، لا يصلح الحديث عنها بها اليوم، إلا إذا كان الهدف هو إثارة النعرات الدينية وتخريب المجتمعات المستقرة، وهو أمر لو أخذناه وفق نظرية المؤامرة التي تصلح لتفسير كل سلوك أعضائه فإننا لن نجانب الصواب.
الدفاع عن الرسول والتصدي لمن يتمادى في الإساءة إليه، لا يبرر القتل، فما بالك أن تكون الجرائم تاريخية يتم نبشها اليوم باسم الدين.. فأيّ منطق هو هذا!