حميد طولست يكتب لـ(اليوم الثامن):
الأمل يضعف ولا يموت
رغم إيماني بفلسفة التفاؤل التي لخصها الأديب المهجري إيليا أبو ماضي في مقولته الخالدة : " كن جميلا ترى الوجود جميلا " بكل ما تحمله من الرسائل الإنسانية الباعثة للبسمة المحرضة على تحرر الإنسان من هموم قضاياه ، والدافعة به لتحدّي صعوبات أوضاعه ومقاومة ما يعكر صفوها من تيارات الجهل والقبح والوجع والكآبة والضياع ، فإني أرى ، وللأسف، أنها -المقولة- ليست بهذا القدر من الصدقية التي تبدو عليها لأول وهلة، ولا بذاك القدر من المصداقية التي تبدو في ظاهرها إذا هي طبقت على ما يعرفه مغربنا الحبيب من تحول للعبودية القهرية فيه إلى عبوديةٍ مختارةٍ طوعية ، يطغى فيها الولاء الإيديولوجي على الولاء الوطني ، المدمر لكل شيء جميل لدى شعبه ، الذي غدا لا يرى في الوجود شيئًا جميلا ، رغم ما كان بنفس مواطنيه من جمال ولين وطيبة وإنسانية ، قبل أن تلغيها مختلف مظاهر القبح والنشاز ، من نشل وسرقة وسلب ونهب وسطو وتحرش ونصب وتطفل وتسول ، وغيرها من المنكرات المؤذية للنفوس الرقيقة والقلوب المرهفة ، والتي تستدعي كل أحسيس المقت ، وتستنفرة جميع مشاعر الاشمئزاز ، وتهيج كافة عواطف الحقد والبغض والكراهية التي تخلصت منها مجتمعات الغرب ، وتبنتها مجتمعاتنا المسلمة المسالمة مرغمة ، ضدا في الإنسانية والقيم والأخلاق التي جاء بها نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، ولا يزال تجددها متواصلا من أجل مصالح ونفوذ وسيطرة سياسوية حوبوية إسلاموية فاقدة لقيم ومبادئ الديمقراطية التي عرفت معها المجتمعات العربية عامة، والمجتمع المغربي خاصة، هذا المنحى الاجتماعي الخطيرة في جل قيمه ومسلكياته التي طغت عليها الكثير من التصرفات الرعناء السيئة ، وتحكمت فيها، فأصبحت أصوله القيمية هوامش ومنسيات تراثية فاقدة لأصالتها وبريقها ، وصلت درجة تنذر بأفدح العواقب وأقبح الأخطار، التي باتت معها غاية أمل المواطنينالحافظ على درجة التردي ثابتة عوض التقهقرأكثر فأكثر في الهلاك والضياع والدمار والتردي ، الذي قضى الإسلامويون -الذين يتعتقد بعضهم أنهم ملائكه وغيرهم شياطين- عقودا طويلة في التدبير والتخطيط والتآمر لزرع ونشر عوامل الفرقة والتشتت الفكري والتحزب المذهبي ، وزيادة التطرف الديني والطائفي والعرقي، للقضاء على أواصر المحبة والتعاون والسلام والتماسك والتكاتف بين ابناء هذا البلد الآمن، والإنتهاء بهم إلى هذا القدر المهول من الإفلاس الحضاري ، وذاك الكم من العارم من الانهيار الأخلاقي، الذي أفقدهم رصيدهم من "تمغرابييت" ، وأوصلهم إلى قاع القاع الذي أصبحت فيه غالبيتهم لا تخجل من الوقوع في بشاعات الرذائل الاخلاقية والاجتماعية التي لا تحصى ، دون أن يوظفوا قدراتهم العقلية لمقاومة تياراته المضرة ، التي يتمسكون حيالها بالصمت الجبان ، ويلتزمون تجاهها بالحياد المنافق، فلا يشجبون ولا ينددون ولا يجابهون ولا يواجهون ، بل ويزكون الوضع ويطبلون له مع الغياطة والطبالة " -رغم فساده - مرددين المقولة الشهيرة : "العام زين ، زيدو غيطوا يا الغياطا " تاركين الأسئلة المصيرية بلا إجابات ، طمعا في مكسب مادي ، أو حفاظا على مركز أو وظيفة.
واختم بالمثل الشعبي الشهير" الأمل يضعف ولا يموت " الذي يعكس سرمدية الأمل، وإستعصاء تلاشيه وإطفاء مصابيحه المضيئة ، مهما حاولت خفافيش الظلام إجتثاثه من نفوس المغاربة الأصيلة ، بتدمير كل شيء جميل في وطننا الجميل، فاللهم عوض مغربنا الحبيب خيراً عن كل جمال إنكسر فيه ، الوضع الذي لا يسعني أمامه إلا أن ادعو الله أن يفرج كل يأسٍ أصاب قلوب المغاربة الطيبين ، الذين ليست مشكلاتهم الكبرى مع الفقر والعوز،كما يتبادر لبعض الأذهان، وإنما هي مع التجهيل الممنهج وسياساته اللامرئية والنفاذة.