مروان هائل يكتب لـ(اليوم الثامن):

لماذا لا يتضمن دستور الجمهورية اليمنية حق الانسحاب من الوحدة ؟

التغييرات السياسية المختلفة في بداية  التسعينيات من القرن الماضي اثرت بشكل مباشر على الكثير من  دول  العالم ، حيث خطت الديمقراطية وسيادة القانون وعمليات انفصال الجمهوريات عن دول الاتحاد خطوات هائلة في العديد من الدول ، كذلك اثرت هذه التغيرات على خطوات اليمن الجنوبي والشمالي ، التي سارت عكس ذلك واتجهت  في مسار عملية الوحدة بتعميقها واتساعها بسرعة فائقة ، تلاشت معها الحدود والسيادة الوطنية وبعض العقول .

الأنظمة السياسية في الشطرين قبل الوحدة كانت ذا ديناميكيات معقدة ومختلفة ، في الجنوب كانت ملامحه وتوجه اشتراكي واضح ،بينما في الشمال كانت القبيلة تدير الدولة باسم الجمهورية  ، كانت هناك فوارق جوهرية في مختلف الاتجاهات الرئيسية للنظامين السياسيين وثقافة الشعبين ، ولا احد يدري لماذا هذه الفوارق لم تطرق ذهنية بعض من النخبة المهرولة نحو الوحدة من امكانية ظهور اشكاليات عميقة وسريعة في ادارة الدولة بعد الوحدة الاندماجية الغير مدروسة ، ولماذا لم تناقش هذه النخبة سؤال عن حق الخروج من الوحدة من طرف واحد في القانون الاساسي ؟.

كانت اهداف الشمال من الوحدة هي " دافع الارض والثروات "  من خلال ابتلاع الجنوب ام سلميا او عسكريا، قابلتها لامبالاة متعمده وسوء تقدير جنوبي غريب  تجاه نوايا الشريك ، الذي تجذر وثبت وعيه العام على عصور القبيلة واحقية حكم قبيلة ومذهب معين لليمن، وكذلك في المفهوم المريض والكاذب عن ضرورة عودة الفرع الى الاصل بأي ثمن ومن ثم تقاسم الجنوب بين قبائل الهضبة و كتابة نهاية دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بثروتها وموقعها واثارها وثرواتها الى الابد.

بعد توقيع اتفاقية الوحدة  كانت نخبة الشمال السياسية والدينية والقبلية تلف خيوطها حول انشاء دستور خالي من الانسحاب الاحادي من الوحدة حتى في حالة الفشل والحرب وينقص من الحقوق التي كانت تتمتع بها  المرأة  الجنوبية، دستور  لا يحمل ولو جزئية بسيطة من الارث الدستوري او التراث او التقاليد التاريخية والثقافية والروحية الجنوبية قبل الوحدة  .

 يبدا دستور الوحدة  ما بعد الاستفتاء في 1991 في الباب الأول   "أسـس الدولـة " الفصـل الأول  "الأسـس السياسيـة " في المادة رقم " 1"  : الجمهورية اليمنية دولة عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة، وهي وحدة لا تتجزأ ولا يجوز التنازل عن أي جزءٍ منها، والشعب اليمني جزء من الأمة العربية والإسلاميــة ، هي ذاتها العبارة في مســـــودة  دســـــتور  اليمـــــن  الجديـــد 2015 للجنة صياغة الدستور المنبثقة عن مؤتمر الحوار الوطني الشامل مع تغير بسيط  ، وتكرر حالة عدم ذكر او اشارة لحق الانسحاب من الوحدة واضافة مفهوم فخ  " الاقاليم "  ، كما ان المسودة الجديدة تحمل بصمات كثيرة من دستور 1991  رغم المكياج  الباهت الذي استخدم اثناء تعديل واضافة بعض المواد الجديدة .

تعكس الدساتير وأجزائها التمهيدية بشكل جيد فهم القانون المدني للأمة  وأسسها التعاقدية ، وبشكل عام  يعكس التشريع الدستوري حق الأمم في تقرير المصير  وحق مجتمعات الناس في تقرير ما إذا كانوا أمة أم لا  ، واليوم الجمهورية اليمنية    " تنهار كدولة "، بسبب الحروب الداخلية ، والجنوب منذ حرب 1994 يعيش قضية احتلال لا راضية  مكتملة الاركان من قبل الشمال ، وهي الحرب ، التي اعتبرت من اكبر الأخطاء السياسية في تاريخ اليمن  رغم تسميتها الزائفة بأنها حرب من أجل الوحدة ، التي لاحقا اتضح انها  جريمة قتل الوحدة تم الاعتذار عنها وعلنا في مؤتمر الحوار الوطني .

الحق في الخروج من الدولة الموحدة أيا كان شكلها عادتا يشار اليه في القانون الاساسي للدولة او في  شروط الاتفاقية ، اما في حالة عدم وجود مثل هذا الحكم ، يمكن لرعايا طرف من الاتحاد الذين يمثلون شكلاً من أشكال تقرير المصير للأمم والشعوب إثارة عملية الخروج من الاتحاد عبر القنوات الدولية .

كرس الدستور الأول لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في " المادة 17" قانونًا الحق الحر في الانفصال عن جمهوريات الاتحاد عن الاتحاد السوفيتي ، وبذلك بدأ الاعتراف التشريعي بالانفصال في الممارسة العالمية للدول ذات النظام الوحدوي بين دولتين او اكثر ، هذا الحق كان مكرس أيضا في دستور جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية ، اما آخر دولة ينص دستورها  على حق الانفصال هو دستور إثيوبيا لعام 1994 ، كما يسمح دستور أوزبكستان لعام 1992 ، في ظل ظروف معينة ، بانسحاب كاراكالباكستان المتمتعة بالحكم الذاتي من أوزبكستان ، كما يحتوي  الدستور البلجيكي على عدد من المؤشرات التي تشير إلى أنه يمكن تغيير أو توضيح حدود الدولة والمقاطعات والبلديات.

تعرف الممارسة العالمية للخروج من الاتحاد  الكثير من الحالات الانفصالية عن الدولة الاتحادية وفي غياب الأحكام التشريعية (الدستورية) ذات الصلة ، سواء بالوسائل السلمية أو المسلحة  ، هكذا انفصلت سنغافورة بسلام في عام 1965 عن ماليزيا نتيجة للانتفاضة التي دعمتها الهند ، انفصل شرق باكستان عن باكستان في عام 1971 ، وشكلت دولة بنغلاديش، وفي ثلاثينيات القرن التاسع عشر انفصلت فنزويلا عن كولومبيا الكبرى، كما انفصلت فنلندا وبولندا عن روسيا في عام 1917.