عبدالواسع الفاتكي يكتب لـ(اليوم الثامن):

الأحزاب اليمنية بين المصالح والمبادئ ! 

لن يكتب لأي حزب سياسي النجاح ،  ما لم تنتصر قيادته وقواعده للأهداف والأدبيات السامية ، التي يسعى لتحقيقها قبل الانتصار للذات ؛  أي أن الذات الحزبية عليها أن تتوارى وتختفي لصالح الغايات النبيلة ، التي يناضل من أجلها الحزب ؛ ليجدها واقعا مجسدا وحقيقة ملموسة.
 ينتج تلاشي أو اضمحلال القوى السياسية ،  عندما تتوج نضالات قواعدها وجماهيرها ، بمصالح شخصية أو مكاسب ذاتية لهذا أو ذاك ، بينما الشعارات التي كافحت الجماهير من أجلها ، ظلت حبرا على ورق أو مجرد يافطات ؛ للاختباء ورائها ، وقتئذ ستكتشف الجماهير أنها كانت مخدوعة ، وستفقد الثقة بأي حراك سياسي ، والوصول لهذه الدرجة من فقدان الثقة ، جد خطير يفسح المجال ؛ لإفراغ الساحة السياسية من العمل السياسي مقابل ملؤها بكيانات أو قوى متطرفة .
على أهمية التكوين القيادي والتسلسل الهرمي التنظبمي للقوى السياسية ، كضرورة ملحة للتكامل والتنسيق وتوحيد الجهود ، إلا أن قيادات تلك القوى قد تكن أحيانا حاجز صد ،  أمام توليد أو تأهيل قيادات جديدة ، تنظر إليها تلك القيادات ، التي قذفت بها الظروف لرأس الهرم ، بأنها خطر عليها ، بمقدورها الصعود لمواقعها التنظيمية وإزاحتها جانبا ، ومن ثم تبقى هذه القوى السياسية متكلسة ، لا تتجدد فيها الدماء ، مصابة بالجمود والرتابة ، كل ما تنجزه هو حضور رسمي في أي محفل أو مناسبة  ، أو الحصول على نصيبها من كعكعة السلطة ، التي يفز بها ذوو النفوذ في تلكم القوى ، وفي نهاية المطاف ، نجد أنا أمام قوى سياسية متصارعة فيما بينها ، على محاصصة سلطوية ، ينجم عنها تسوية أوضاع بعض منتسبيها من القيادات العليا أو الوسطى ، بدلا من التنافس على تنفيذ برامج عامة ، تعود على المواطن اليمني بالفائدة .
العمل السياسي بروح الفريق الواحد ، يقتضي تجنب النزوع للأسلوب السلطوي الأبوي في العلاقة بين القيادة العليا والوسطى ، أو بين القيادة والقواعد ، فسلوك هذا المنحى يعطل العقول والطاقات ، ويختزل النضال السياسي في شخوص القيادة لا غير ، وكأن القواعد الجماهيرية عبارة عن عمال أو موظفين عند تلك النخب ، أو أنها قاصرة لا تعي مصلحتها ومصلحة الأحزاب السياسية المنتمية لها ، ومن هنا تنشأ الصراعات الداخلية ، فعندما تنحرف البوصلة من النضال من أجل المبادئ والأدبيات ، التي أسس من أجلها هذا الحزب أو ذاك ، إلى عوائد وظيفية أو مالية ، يتحصل عليها ذوو النفوذ الحزبي ، تدشن مرحلة جديدة من الخلافات والانقسامات ، فيبحث كل شخص عن مصلحته ، سالكا طريقا طويلا من الصدام مع رغبات وأهواء رفاق دربه ، وتتصاعد النزاعات منشئة لوبيات وتكتلات داخل الأحزاب ، هدفها الرئيس الحفاظ على مكتسباتها ، وإقصاء أي شخصيات تراها أنها تهدد مصالحها ، أو تشكل عامل قلق لها ، يقلل من فرص حصولها على المنافع .
المتأمل للقوى السياسية اليمنية يجدها صورة طبق الأصل للوضع السياسي العام، المتسم بالتحاصص الحزبي أو الجغرافي ، وكأن المشهدالسياسي اليمني مشكلته رياضية بحتة ، تكمن في الاختلاف على التوافق على توزيع النسب السلطوية بين الفرقاء اليمنيين ، ويمثل استمرار التعامل مع الوضع في اليمن ، بهذا الشكل ، استمرارا للصراع ، وتأسيسا لدورات جديدة من العنف والتشظي والخلاف ، ما لم تتعامل القوى السياسية اليمنية القديمة أو الجديدة ، بروح الانتماء لليمن أولا وأخيرا ، لا الانتماء للحزب أو الجغرافية والمنطقة ، على حساب الهوية الوطنية ، مع ضرورة تحييد الدولة في الصراع  فيما بينها ؛ لضمان قوننة الاختلاف ، وترشيد الخلاف والتنافس المحمود للوصول لسدة الحكم .