محمد خلفان يكتب:

إيران تمهد لخلافة السيستاني

تداولت مواقع إعلامية كثيرة مؤخرا خبرا عن نية النظام الإيراني المساهمة في توسعة العتبة الحسينية في مدينة النجف العراقية، وخصص لذلك مبلغ 600 مليون دولار أميركي. وقد علّمتنا التجارب أن النوايا الإيرانية تجاه دول الجوار العربي عادة لا تتسم بالبراءة ولا بالطيبة، فهي حتى وإن بدت للوهلة الأولى نوايا حسنة، تخفي وراءها أهدافا أخرى.

هناك جملة من التبريرات التي يمكن أن يحملها هذا الخبر، كلها صحيحة، خاصة ما تعلق منها بـ“عراق ما بعد 2003”، الذي أعيد تشكيله أميركيا ليتناسب ومصلحة النظام الإيراني في المنطقة، سواء من حيث أن العراق هو نقطة ارتكاز للتمدد الإيراني في الدول العربية وتهديد استقرار دول المنطقة، أو أنه “الرئة الاقتصادية” التي يتنفس من خلالها النظام الإيراني لتخفيف وقع العقوبات الدولية المفروضة عليه.

إيران تدرك أن السيطرة على النجف حلم لا يقل أهمية عن السيطرة على العراق، خاصة خلال هذه الفترة التي تشهد حالة غضب شعبي أثبت أنه البطل الحقيقي في معركة استعادة هيبة العراق

وبالتالي، فإن هذه المساهمة هي مدخل مهم في ممارسة أحد أوجه الفساد الإداري في العراق من خلال “الحشد الشيعي” المليء بالميليشيات الموالية للنظام الإيراني، بهدف الحصول على الأموال.

ولكن، تبقى النقطة اللافتة ذات الدلالة السياسية في هذا الخبر، هي اختيار العتبة الشيعية والمراقد الموجودة في مدينة النجف، لتمارس إيران قوتها الناعمة، وتوظفها بشكل حقيقي وفعلي، وربما تعيد من خلالها “هندسة” السياسة والثقافة العراقية بالكامل، والتي هي جزء من الهوية العراقية.

فالعتبة الحسينية لها مكانتها عند الشيعة العرب، وهي تختلف من حيث دور المرجعية التي تكون خاصة، عكس ولاية الفقيه التي تؤمن بها إيران، فهي ولاية عامة، أي أن للمرشد دورا سياسيا في النظام، كما هو الأمر في ولاية علي خامنئي.

وعادة ما تكون المراقد والحسينيات تحفا فنية، سواء في الفن المعماري، أو في الزخارف التي تحملها. ومعروف عن الشعب العراقي براعته في المجال الهندسي والفني بشكل عام، وبالتالي فإن دخول “المال السياسي” الإيراني إلى العراق لن يقتصر على الاستفادة المادية فقط، بل هو مدخل مهمّ للتأثير على الثقافة العراقية، الدينية والفنية.

والشيء الذي نتمنى ألا يكون خافيا على صناع القرار في الدول العربية، وليس فقط في العراق الذي يجتهد للتخلص من النفوذ الإيراني، أن عمر آية الله علي السيستاني حاليا تعدى العقد التاسع، وبالتالي فإن التفكير في إعداد خليفته هو أمر مطروح لدى الشيعة في العالم، وبما أن هناك أكثر من اسم على قائمة المرشحين، ولكن هناك البعض (اثنين) من أصول إيرانية يؤمنون بولاية الفقيه العامة وفق مدرسة آية الله الخميني، وهو ما يمثل قلقا للعرب.

وعليه، فإن المساهمة المالية الحالية لتوسعة الحسينية لن تكون بعيدة عن تلك الاستعدادات لدعم من يخلف السيستاني، وفق منطق القوة الناعمة التي يتقنها النظام الإيراني في مجتمع لا يزال الدين يلعب فيه دورا مؤثرا.

إيران تدرك أن السيطرة على النجف حلم لا يقل أهمية عن السيطرة على العراق، خاصة خلال هذه الفترة التي تشهد حالة غضب شعبي أثبت أنه البطل الحقيقي في معركة استعادة هيبة العراق وإجهاض كل المشروعات التي تحاك ضده، حتى الآن.

اختيار العتبة الشيعية والمراقد الموجودة في مدينة النجف، لتمارس إيران قوتها الناعمة، وتوظفها بشكل حقيقي وفعلي، وربما تعيد من خلالها “هندسة” السياسة والثقافة العراقية بالكامل

وتتمنى، وهي تتابع الأحداث والمحاولات العربية والدولية لإخراجها من العراق، أن يتحقق حلمها في تعيين مرجعية في النجف موالية لها، فبهذا تنتهي كل المحاولات الوطنية العراقية والعربية لاستعادة دولة العراق أو إنقاذه. ولكن سيبقى ذلك حلما!

من المهم جدا بالنسبة إلى العرب، وهم يسعون لاستعادة العراق، أن تشغلهم قضية خلافة السيستاني، وأن تلقى اهتمامهم، لا أن يتركوا إيران تتمدد بمبررات شكلها الخارجي مساعدات، ولكن أهدافها الحقيقة استنزاف الثروات العراقية، وتغييب ثقافته.

إذا كان ترك العراق لإيران بعد إسقاط نظام صدام حسين خطأ استراتيجيا فادحا، من المهم الآن عدم السماح بتكرار الخطأ في أي خطوة أخرى.