د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

عندما ظلمنا سلاطين الجنوب وظلمنا أنفسنا !! (3- 4)

كان أغلب السلاطين في الجنوب بسطاء يجالسون العامة والخاصة من أبناء الجنوب وكانت مكاتبهم وبيوتهم مفتوحة للجميع ويستقبلون الجميع سواء عصرا تحت سفح جبل أو تحت شجرة في بطن أحد الأودية أو الأماكن العامة ويستمعون لهم ويعالجون مشاكلهم .. ويتبسطون معهم في الحديث وسرد القصص والحكم والشعر ولا يخلو حوار الطرفين من الرمزية والتلميحات والإيحاءات والألغاز المبطنة والنقد الساخر منهم علانية هم ومن تحت إدارتهم تلك الأيام ويرفعون الكلفة والحواجز معهم حتى يصل الأمر أحيانا أن ينادونهم بأسمائهم دون ألقاب... ويتقبلون منهم الانتقادات بصدور رحبة ونفوس طيبة لا يغضبون ولا يشكون ولا يتذمرون !! خلاف من حكم بعدهم إذا عطس المواطن في منزله يخشى أن يستدعى قبل شروق الشمس ليسجن ويحكم عليه بالتهمة التي يفصلونها عليه مقابل العطسه في منزله كيف لا والجدران لها آذان تسمع إبان الحكم الماركسي البغيض؟ !!
عموما لا مجال للمقارنة بين هذا وذاك بين حلم السلاطين وسطوة الشياطين واليكم هذه القصة الواقعية : 
في عام 1965م, قام الشريف حسين بن أحمد الهبيلي شريف بيحان ووزير الداخلية الاتحادي بزيارة ودية إلى مشيخة العوالق العليا ونزل ضيفا عند آل فريد وفي المساء أٌقيمت وليمة كبرى للضيف الزائر ومرافقيه في قصر الأمير عبدالله بن محسن بن فريد في الحيد لسود بمدينة الصعيد , حضرها أعيان ومشايخ القبائل, ومنهم الشيخ محمد بن أحمد بن طالب الخليفي, المعروف بحكمته وتأليف القصص و الأمثال وإسقاطها على واقع الحال وعلى الأوضاع السياسية في عهد اتحاد الجنوب العربي تلك الأيام , وفيما القوم يتسامرون ويتبادلون الأحاديث, وجه الشريف حسين كلامه إلى الشيخ بن طالب قائلاً: سمّرنا يا بن طالب هات ما عندك وانتبه القوم وصمتوا جميعا !!
فرد عليه بن طالب: أنا ما عندي شي أقوله ..؟! قال الشريف: والله ما لك عذر من الحديث فيما يجري الآن.. قال بن طالب: وأنا في وجه من؟ وكان ينظر إلى الشيخ فريد بن محسن نائب الأمير !! فقال له الشريف: في وجه الأمير عبد الله وفي وجهي والشريف يعرف أن بن طالب لن يقبل بوجه الشيخ فريد بن محسن!! .. 
وبدأ حديثه بهذه القصة وقال: دخل "شرمد" وهو أحد الفلاحين في منطقة "آل محمد" بالعوالق - دخل إلى سوق المصينعة عصراً, وتأخر في شراء ما يلزمه من السوق حتى غابت عليه الشمس وحل الظلام وكانت تلك الليلة مظلمة حالكة السواد, وعندما وضع أغراضه على " الحماره " عزم على العودة إلى قريته التي تبعد عدة كيلومترات, إذ وجد مجموعة من أصحابه الفلاحين في السوق ينوون العودة إلى نفس القرية من آل أبو غاسقة, يحملون أغراضهم على أكتافهم وهم جميعاً مصابون بالجهر أو ما يعرف بالعشى الليلي, وشرمد يعاني من نفس المشكلة فقالوا له: ما العمل يا شرمد ؟.. كيف سنعود إلى القرية في هذا الظلام الدامس , ونحن لا نرى ؟ فقال لهم شرمد: لا عليكم عندي الحل قالوا : وما هو ؟ قال: أنا سأقبض بذيل الحماره وهي تعرف الطريق , وأنتم كل واحد منكم يقبض بحزام من هو قبله والحماره تعرف الطريق إلى القرية وبهذه الطريقة سنصل سالمين جميعاً. فاستحسن القوم فكرته ونفذوا ما قال لهم, وقبض "شرمد" بذيل الحماره والآخرون كل قبض بحزام من قبله وعددهم حوالي 7 أشخاص, وسارت بهم في ظلام دامس , وبعد حوالي نصف ساعة إذ بهم يشمون روائح كريهة ولم يتبينوا مصدرها وأين هم ؟ وعندما أخذت "الحمارة" تدور في المكان والرائحة تزيد عرفوا أنهم وصلوا القرية, ولكن "الحمارة" أدخلتهم "المخوال" أكرمكم الله .. أي تحت حمام أحد منازل القرية!! وهنا ضج الحاضرون في مجلس الأمير بالضحك وزاد اللغط .. فقال الشريف حسين لابن طالب: نبغاك تفسرها لنا القصة ؟ فرد بن طالب: لا أعلم .. هذه مجرد قصة!! . فقال الشريف: فسرها وأنت في وجهي ووجه الأمير عبد الله. فقال بن طالب: ولي الأمان من الشيخ فريد بن محسن؟ قال الشريف: ولك الأمان. فقال بن طالب: أما شرمد فهو أنت يا شريف حسين, وأما القوم من آل بو غاسقة فهم السلاطين في حكومة الاتحاد .. وأما الحاملة أو "الحمارة" فهي بريطانيا, وقد تمسكتوا بها حتى أدخلتكم المخوال، وضج القوم بالضحك !!
رحم الله الشيخ فريد بن محسن والأمير عبد الله والشريف حسين والشيخ محمد أحمد بن طالب الخليفي فقد كانوا ونعم الرجال عاشوا في زمن تكالبت عليهم المؤامرات من كل مكان حتى من أقرب حلفائهم و لم يستمع لهم أحد ..رحلوا بعزة وشرف من بلادهم ولكن التاريخ سينصفهم بعد أن ظلمواّ!!
 أوردنا لكم هذه القصة الواقعية والتي تحمل نقدا مبطنا لحكم السلاطين وكانوا يتقبلونه بصدور رحبة ومنشرحة ..أما من جاء وحكم بعدهم لا يقبل إلا الهتافات والتصفيق والشعارات الكاذبة ، والويل لمن انتقد الرفاق أو حتى حاول نصحهم فمصيره إما خنقا في ليل مظلم بحبل صيني أو رصاصة في قلبه وإخفاء جثته وفي أحسن الأحوال تركها على قارعة الطريق أو رمي جثمانه في بئر مهجورة !! هكذا كان يفعل الرفاق حتى مع من يداعبهم أو يجرؤ على سرد القصص والأمثال في مجالسهم فلن تغيب عليه الشمس ولن تشرق وسيختفي ولن يسأل عليه أحد !!
و هذا هو الفرق بين السلاطين والشياطين!!
د. علوي عمر بن فريد