محمد عبدالله القادري يكتب لـ(اليوم الثامن):

جريمة العدين وسبب وفاة أمي

ما ان اطلعت على اخبار جريمة العدين التي ارتكبتها ميليشيات الحوثي إلا وظلت دموعي تذرف حتى الصباح وانا جالس على النافذة لم أشعر بشدة البرد.
تألمت مما حدث لتلك المرأة التي فارقت الحياة و ذكرني ذلك سبب وفاة أمي الذي كان  مماثلاً لما حدث ولكن بشكل مختلف ستعرفونه اليوم ووجدت نفسي مجبراً على القول به بعد ان تحفظت عليه كثيراً.
قبل ثلاث سنوات حدث بيني خلاف شخصي يعتبر عائلي مع من تجمعني بهم علاقة نسب وهم من ذات الأسرة التي ينتمي إليها شقيق المتهم بجريمة العدين والذي يعمل قائداً حوثياً كبيراً وعضو مجلس شورى الحوثي وشيخ في منطقة قريبة لنا ، من اختلفت معهم ذهبوا لذاك الشيخ الذي هو من أسرتهم بعد ان قاموا بتصوير عدة منشورات لي وجعلوها في ملف وادعوا اني داعشي ، اتصل بي ذلك الشيخ بدعوى خلافي مع ابناء عمومته وذهبت إليه لاني اعتبرت القضية شخصية وليست سياسية  ، وكنت اعتقد انه سيكون مدافع عني في حالة تعرضي لأي اختطاف حوثي بدعوى اني مع الشرعية كون اننا تجمعنا بهم علاقة نسب ، ولكن ما حدث كان العكس ، فعند وصولي إليه اتهمني اني داعشي وقال هذه منشوراتك تؤيد المقاومة وسأقوم بسجنك ان لم تقم بدفع غرامة لمن اختلفت معهم قدرها ثلاثمائة الف.
وجدت نفسي مجبراً على التوقيع بورقة ملتزماً على دفع الغرامة حتى لا يقوم بسجني ووعدته أني سادفعها اليوم الثاني ،
عدت لمنزلي واخبرت والدي عن الغرامة التي حكموا بها عليا بدون اي وجه حق ولم احدثه بأنه اتهمني بأني داعشي ، انزعج والدي وذهب إليه اليوم الثاني ليستفسره على اي أساس حكم بالغرامة ، وعندما وصل إليه والدي قام بسجنه وقال له ان ولدك داعشي وهذه منشوراته وسوف نقوم بسجنه ونأخذه إلى لبنان لأن نشاطه يستحق اخذه وتغيبه وتعذيبه خارج البلاد وليس في اليمن وقد عممنا صوره على كل النقاط وسنقوم بحملة الان على منزلكم لنبحث عن ولدك ونقبض عليه.
اتصل والدي إلى المنزل ليخبرني بأن افر واهرب وقص لاهل البيت ماحدث ففزعت امي وخافت وخرجت لباب المنزل تتمرغ بين التراب وترفع يديها للسماء وتقول يارب يارب نجي محمد احفظه انقذه وظلت حتى العصر ، ومن ذلك اليوم تعرضت لفجيعة أثرت على الكلى والكبد وزاد المرض على امي وظلت تتلقي العلاج وحالتها تزداد تدهور حتى فارقت الحياة قبل عام
واحدة من اخواتي تسبب لها ذلك بفجيعة وحصل لها نزيف ولا زالت تعاني منه حتى اليوم.

ظل والدي في السجن حتى العصر ثم وافق على حكم الشيخ ودفع الغرامة حتى لا يتم مداهمة المنزل أو القبض عليا بدعوى اني داعشي.

لم ابيح بهذا الكلام في ذلك الوقت خوفاً على ان يزيد الطين بله وتزداد معاناة أمي.
امي كانت تخاف عليا بشدة وتحبني حب كبير ولا تقوى على مفارقتي ، وظللت محافظاً على مشاعرها  حتى لا تتعرض لفجيعة أو تتكدر وتنزعج من أي خبر في مكروه يخصني.
لم تعرف امي اني ناشط ضد الحوثي من قبل ، وكنت اقنعها ان عدم خروجي بين الناس وجلوسي وحيداً دون ان يعرف احد أين انا يعود لسبب اني اصبحت أرى الاختلاط بالناس خوض في كلام باطل والخروج إليهم لا يجب في وقت حرب ومشاكل حتى تنتهي الحرب.
كنت عندما اغيب عن البيت اقول لأمي ان معي عمل خارج إب ولا تقلقي عليا حتى اعود ، واذا تعرضت لأي مكروه أو مشاكل كانت أمي لا تعرف بذلك أبداً ولا أخبرها.
لم استطع مفارقة إب إلى مناطق الشرعية عندما كانت امي على قيد الحياة بسبب اني لم استطع مفارقة أمي خوفاً ان يؤدي ذلك لعدم قدرتي للعودة لإب ، وايضاً بسبب عدم قدرتي على أخذ أمي معي لمناطق الشرعية التي لم اجد احد يتعاون معي ويأخذ بيدي حتى لا أصل لمكان لا اجد فيه مأوى ولقمة عيش.
خوفي على أمي وعدم وجود من ينقذني لمناطق الشرعية جعلني أعيش مشرداً داخل مناطق الانقلاب.

بعد وفاة أمي قبل عام كنت اريد ان اذهب لمناطق الشرعية وبالذات مأرب ، ولكني وجدت الصحفي المقري الذي وقف ضد الحوثي من بداية الحرب وهرب إلى مأرب اصبح مسجون عند شرعية مأرب بدون أي تهمة ، ووجدت الاعلامي حافظ مطير قد اعتقلوه في مأرب وشردوه ، ففضلت البقاء في مناطق الانقلاب مشرداً.
بعد وفاة أمي لم اعد اخاف من شيئ لا سجن ولا تعذيب من قبل الحوثي ، لأني كنت اخاف من ذلك عندما كانت أمي على قيد الحياة حتى لا تخاف أمي وتتأثر مما اتعرض له .
كنت اخاف على نفسي حتى لا تخاف أمي من أي خطر تعرضت له ، وأما اليوم فلم اعد اخاف على نفسي لأن التي كانت تخاف عليا قد توفت رحمها الله واسكنها فسيح جناته.

كتبت هذا المقال بصعوبة.
دموعي التي تتساقط على شاشة الهاتف وأنا أكتب هذه الحروف جعلتني استغرق وقت أكثر من  ثلاث ساعات.
أكتب قليلاً من الكلمات واتوقف لمسح الكثير من الدموع التي غطت شاشة الهاتف واعاقة مواصلتي للكتابة بشكل سريع.
رحمك الله يا أمي ورحم الله كل أم متوفية وحفظ الله كل أم لا زالت على قيد الحياة.
رب انه لا يعلم احد بوجعي إلا انت ، فإليك المشتكى.