د. عيدروس النقيب يكتب:

من فيروز اليافعي إلى أحلام العشاري تعددت الأشكالُ والقتل واحدُ

جرائم قتل المدنيين، رجالاً كانوا ام نساءً صارت أحداثاً مألوفة في اليمن وهناك بعض الساسة من المرضى النفسيين من يتباهى بارتكابها ويعتبرها من علامات “حمرة العين”.

ما حدث يوم أمس في وادي العدين مع المواطنة أحلام العشاري، من اعتداء وقتل على يد أحد محترفي القتل من الحوثيين، وما أكثرهم أعاد إلى الذاكرة حادثة مشابهة حصلت في العام 2012 في مدينة عدن على أيدي عتاولة الأمن المركزي حينما اقتحموا منزل إحدى الأسر في حي البساتين، شمالي عدن،  وكانت الأسرة تعتقد أنها في أمان وراحوا يسألون ربة البيت “الشهيدة فيروز اليافعي” عن القاعدة، وعندما قالت لهم أنها لا تعرف شيئا عن القاعدة، لم يتورعوا عن إطلاق النار عليها وإردائها قتيلةً أمام أولادها، ثم انصرفوا آمنين وكأنهم دهسوا فرخة عن طريق الخطأ.

لم يكن لدى الجنوبيين حينها الجهاز الإعلامي الذي يمتلكه خصوم الحوثي، ونحن منهم، فلقد اعتبرت معظم وسائل الإعلام الرسمية آنئذٍ الحادثة جنائية وأعلى مستوى من التعبير عن الإدانة كان المطالبة بالقبض على القتلة ومحاسبتهم، وهو ما لم يجر حتى هذه اللحظة،  لكن الكثيرين تعاملوا مع الحدث وكأنه لم يكن.

ولست أدري ما مدى صحة الأنباء التي تقول إن تسويةً تمت بين أسرة الشهيدة وبين “الدولة” (المفترضة) التي ارتكب موظفوها الجريمة، لكن المجرمين ما يزالون ينعمون بالأمان والحماية مثلهم مثل كل مرتكبي جرائم قتل المدنيين الجنوبيين وعددهم بالآلاف، وربما يكون هؤلاء القتلة قد ارتكبوا أضعاف هذه الجرائم  طالما هناك من يحميهم ويتستر على جرائمهم، ويدفع الكلفة نيابة عنهم، ومع ذلك يظل البعد السياسي والإنساني لهذه الجريمة قائما لأننا لا نتحدث عن منحرف ارتكب القتل عن طريق الخطأ، بل نتحدث عن سياسة تقوم على القتل وقد بلغ ضحايا هذه السياسة عشرات الآلاف من المدنيين.

 بعد هذه الجريمة كتب الناشطون الإعلاميون والسياسيون الجنوبيون مئات المنشورات وبيانات الإدانة الرافضة لهذا النوع من السياسات الدموية تجاه الجنوب والجنوبيين، وأقاموا عشرات الفعاليات التضامنية مع أهالي الضحية، لكن الرد على هذا كله كان جاهزاً: “هؤلاء انفصاليون، ولا يمكن الاعتداد بكلامهم”.

لم يكن لدى الجنوبيين من خيار حينها سوى اعتبار جريمة قتل فيروز جزءً من الجرائم المتواصلة منذ 1994م، والرد عليها وعلى كل الجرائم كان مواصلة المسيرة الجنوبية حتى النهاية، لأنه من أجل إيقاف الإجرام لا يكفي معاقبة المجرم الفرد الذي ارتكب الجريمة بل لا بد من إيقاف السياسة التي تشرعن الجريمة وتحمي المجرم.

لا فرق بين من قتلوا فيروز يومذاك ومن قتلوا أحلام العشاري يوم أمس فالطرفان يتستران بعباءة الشرعية، ذاك كان متمترساً وراء شرعية الجمهورية اليمنية الموحدة، التي قيل أن ليس فيها جنوب ولا شمال، وهذا متمترس وراء  شرعية “اللجان الشعبية” و”المسيرة القرآنية” التي لا يمكن أن يعلو على قولها قول، فهل هناك من يتجرأ على “القرآن”؟ أما وإن من يتبنى القتل تحت يافطة “القرآن” يفعل ما يفعل باسم “أولاد وأحفاد رسول الله”، فإن فعله مباح وبلا أدنى نقاش أو مفاصلة.

والسؤال اليوم هو أين مفتولي الشوارب، وحمران العيون الذين يقدمون في بعض الأحيان عشرات القتلى في خلاف على  ساقية ماء صغيرة أو قطعة أرض من عدة أمتار، ثم يختفون عن هذه الجريمة العار، التي يندى لها جبين كل من لديه ذرة من الكرامة والإنسانية والإباء؟

جرائم القتل لا يجب معالجتها من خلال التسويات والترضيات، لأن هذا النوع من المعالجة يفتح شهية القتلة لمزيد من القتل ولو من أجل الاستمتاع، بل يجب معالجتها من خلال تجريم السياسية التي تشرعن القتل وتحمي القتلة أولا، ثم محاسبة القتلة وإنزال بهم عقوبة القصاص ليرتدع كل من لديه نية على ارتكاب جرائم مماثلة.