د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

إعادة تدوير النفايات السياسية !!

قد يعتقد البعض أنني قد قررت الابتعاد عن الكتابة السياسية والانخراط في الحديث عن البيئة وملوثاتها وما تتركه من آثار على الصحة العامة للمواطنين, لكن الحقيقة غير ذلك فما أقصده هنا بالنفايات هي النفايات السياسية من نخب حاكمة يتم تدويرها وفقا لمصالح القوى الاستعمارية الغربية, وكذلك النفايات الثورية التي تقود الحراك الشعبي داخل أوطاننا بما يحقق أيضا مصالح نفس القوى الاستعمارية الغربية بهدف تحقيق العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية, في حين أن الهدف الحقيقي الذي تسعى إليه هو من أجل مزيد من الهيمنة والسيطرة وتكريس التخلف والتبعية لمجتمعاتنا العربية !!.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ماذا كسبت مجتمعاتنا من وراء هذا الربيع المزعوم؟ سواء في المجتمعات التي انتهى بها الحراك أو المجتمعات التي مازالت تفور به؟
والإجابة تتطلب الوقوف أمام كل حالة على حده مع الأخذ في الاعتبار أن الحراك الشعبي الذي حدث ومازال في مجتمعاتنا العربية هدفه هو تغيير السياسات المؤدية لغياب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية, فالمشكلة ليست في النخب السياسية الحاكمة ذاتها بل في نوعية السياسات التي تطبقها هذه النخب, وهل هذه السياسات تعمل لصالح الغالبية العظمى من الجماهير الشعبية أم أنها منحازة فقط لفئة محدودة من المواطنين داخل مجتمعاتنا العربية ؟ ولنذهب الآن للتحقق مما حدث خلال السنوات القليلة الماضية.
مع نهاية العام 2010 هبت أول حركة جماهيرية في تونس وخلال السنوات التي تلتها تم إعادة تدوير بعض نفايات النخب السياسية وبالتالي لم تتحقق للشعب التونسي أيا من مطالبه في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية وظلت كرامته الإنسانية مفقودة ذلك لأن النفايات الثورية التي قادت الحراك ظلت هي الأخرى حبيسة الدور المرسوم لها .
ومع مطلع العام 2011 انتقلت العدوى إلى مصر وبعد أيام قليلة مما حدث في تونس ومصر تحركت النفايات الثورية وبنفس الشعارات في اليمن وبالفعل نجحت في استبدال علي عبد الله صالح رجل الولايات المتحدة الأمريكية الذي أدت سياساته إلي تدهور أحوال الغالبية العظمى من الشعب اليمني, وبعد صالح تم تدوير النفايات السياسية والثورية معاً حتى وصلت اليمن اليوم إلى كارثة إنسانية من الصعب تجاوزها في المدى القريب.
وخلال أيام مما حدث في تونس ومصر واليمن كانت النفايات الثورية تنطلق في ليبيا رافعة نفس الشعارات وأدرك القذافي متأخرا أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى للتخلص منه في حين كانت قوات الناتو والنفايات الثورية قد اغتالت الرجل, وظهرت كل النفايات السياسية والثورية على السطح ومازالت تتقاتل حتى اللحظة ومن الصعب عودة ليبيا إلى ما كانت عليه !!
في اليمن هناك الكثير من الدخلاء امتهنوا السياسة وهم مصابون أصلا بالخواء الذهني ومع ذلك يتناوبون على المناصب السياسية وهم لا يملكون ادني تصور أو إرادة لوضع سياسات وبرامج وطنية تمكنهم من ممارسة دورهم وترك بصمة سياسية واقتصادية نزيهة في مسيرة الوطن , تبدأ مسيرتهم المُضحكة باستقبال المهنئين ثم البدء في الجباية وتحصين الفساد وتضييع الأدلة وإرجاع الوطن للخلف وتنتهي مسيرتهم بعد بضعة أشهر أو ربما سنوات قصيرة ليستقروا في مزبلة التاريخ الوطني والتفرغ لحضور الولائم والمناسبات الخاصة وقبل أن يدخلوا في سن اليأس السياسي يجري إعادة تدويرهم بمناصب رفيعة أخرى بشكل متتالي ومدروس على حساب مصلحة الوطن والكفاءات المقهورة فيه ليلاً نهاراً .
رؤساء الوزارات وحتى الوزراء في بلدان العالم المتحضر يعتبروا بيوت خبرة سياسية واقتصادية يديرون مراكز هامة للأبحاث والدراسات وألفوا كتبا تحكي مسيرتهم ونجاحاتهم الوطنية فيها من الدسم المعرفي والسياسي ما يؤهلها لان تتجاوز مبيعاتها ملايين النسخ حول العالم وإعادة ترجمتها لمختلف لغات العالم أو ربما رؤساء أحزاب مؤثرة يجري الأخذ بآرائهم والاستئناس بإرشاداتهم , لم يرتبطوا بعلاقة زواج متعة مع المنصب العام في المقابل لدينا صورة مغايرة تبتدئ بعبارة ( أنا كنت , وأبي كان ) عبارات خاوية ومضحكة يرددوها تكشف لنا سِر هروبهم من الظهور الإعلامي طيلة فترة ولايتهم وذلك لافتقادهم حتى لأبسط أنواع التعبير والكاريزما الخاصة .
النفايات السياسية في اليمن وإعادة تدويرها على مبدأ النظرية العلمية للطاقة ( لا تفنى ولا تُعدم , وإنما تتحول من شكل إلى آخر ) هي المسئولة عن قتل الروح الوطنية ..والسؤال هو: لماذا نسير في ركب التخلف وغيرنا استطاع نشل بلاده من الضياع والفقر ليلحقهم في سُلّم أقوى اقتصاديات العالم في فترة ( 10 ) سنوات ؟ ولماذا لم يقدم أي مسئول للعدالة لاتهامه بالفساد والإثراء غير الشرعي وغيرنا يحاسبه الرأي العام وأجهزة الدولة على وجود مئات من الدولارات في رصيده ؟ ولماذا نجد أن 95 % من الشباب يحلموا بالهجرة للعمل بالخارج !‍!
وأخيرا وليس آخرا يجب أن تعي الشعوب العربية حقيقة ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية من إعادة تدوير النفايات السياسية والثورية داخل مجتمعاتنا العربية بهدف إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار لضمان استمرار التخلف والتبعية التي تحقق مصالحها, اللهم بلغت اللهم فاشهد.
د.علوي عمر بن فريد