عبدالواسع الفاتكي يكتب لـ(اليوم الثامن):
الإعلام اليمني والحرب
المشهد الإعلامي اليمني في مجمله انعكاس جلي للمشهد السياسي المهترئ الممزق بين فرقاء الصراع ، تضيع الحقيقة بين دهاليز التواءاته ، وتتوه الأحداث في سراديب حساباته السياسية والمادية ، قذفت الحرب في اليمن للسطح شخصيات ومؤسسات إعلامية مؤدلجة ، ضمن توليفة الاستقطاب السياسي المرتهن لتصور ورؤية اللاعبين في مسرح تقاسم الأموال والمصالح ، والمتأمل للخطاب الإعلامي للقنوات والمواقع الإخبارية الحزبية أو حتى للناشطين الحزبيين في وسائل التواصل الاجتماعي ، يدرك الاستخفاف بالقضايا الوطنية ، والاستهتار الممزوج بالاستغفال والاستهبال الانتقائي ، في التغطية الإعلامية للوضع في اليمن ، المصحوب بالمزاجية في التناول ، وتوظيف ذلك في أجندة الصراع مع الآخر.
أفرزت الحرب في اليمن حضورا طاغيا ، وسيطرة شبه كاملة للإعلام الحزبي والأهلي ، في مقابل تراجع الإعلام الرسمي للوراء قليلا ، الأمر الذي نجم عنه سيطرة الأحزاب اليمنية على الفضاء الإعلامي ، بالتوازي مع سيطرتها وإحكام قبضتها على الفضاء السياسي ، مستغلة منطق المحاصصة والتقاسم ، في ظل هذا المناخ صعدت الأحزاب للواجهة الإعلامية طابورا جديدا من الإعلاميين ، بعضهم لا يملك مؤهلا غير التوصيات والتزكيات الحزبية ، عدا ذلك من سمات ومعايير الإعلامي الحرفي المتمكن يعد فضلة ، لا يعتد بها ، وهنا نجد أنفسنا أمام إعلاميين ، يرفعون المنصوب وينصبون المرفوع ، فضلا عن الصعوبات التي يواجهونها في إخراج الحروف من مخارجها الصحيحة ، ناهيك عن افتقارهم للمعرفة اللغوية والفكرية التي تؤهلهم للتحدث بطلاقة دون تلعثم أو تعثر.
هناك سباق محموم بين وسائل الإعلام الحزبية ، على تدجين الوعي الجماهيري واستقطابه في مضمار الخلاف والصراع مع الغير ، وتعميق الانقسام في أوساط المجتمع ، بتبني خطاب إعلامي أيدلوجي أحادي الاتجاه ، يهدف لتوجيه الجماهير وفقا لمحددات سياسية ، ولذلك نجد أحيانا أن قضية هامشية ، أقامتها وسائل الإعلام الحزبية ولم تقعدها ، أو قضية كبرى أهملتها ، ولم تعرها اهتماما ؛ لإنعدام تحقق مكاسب سياسية ، أو لضآلة فرص استهداف الخصم وتشويه سمعته.
نحن أمام مشهد إعلامي يمني ، غير متجرد من الأيدلوجية الفكرية أو المادية ، لا ينتصر للحقيقة ، وتناول الأحداث بحيادية تامة ، دون اجتزاء أو تشويش أو تدليس أو توظيف لها في حسابات أو لعب الأوراق مع الخصوم ، على حساب القيم الأخلاقية الإعلامية ، بل القيم والمصالح الوطنية ، باختصار نحن أمام إعلام بلا ضمير فكنا شعبا بلا وعي .