د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

السخرية في اليمن من كل شيء !!

مع استمرار الحرب في اليمن وانسداد أفق الحل السياسي أو الحسم العسكري مع ما يصاحب تلك الحرب الضروس من معاناة للمواطنين الذين تطحنهم ترسانتها الضخمة لا يجد البسطاء منهم إلا التنفيس عن أنفسهم بتداول النكت والسخرية من كل شيء سواء في الصحف أو نقلها شفويا.. ويظن البعض بأن المقال الساخر هو مقال سطحي وتافه ولكن الحقيقة إن السخرية تكون في أسلوب المعالجة وليس بالمضمون وهو أسلوب مقبول ومرغوب ومرحب به لدى الكثير من القراء وهي بمثابة التوابل التي تبعث المذاق ليتبادلها القراء في مواقع التواصل الاجتماعي أو الصحف ككل وخاصة عندما تكون الجريدة دسمة بموادها لتفتح الشهية للقارئ وبالتالي ليَلتَهِم موادها.. وللكاتب حرية التنويع في أسلوبه تبعا لنوع الفكرة التي يعالجها فقد يكون أسلوبه بين الخفة والدعابة والمرح وبين الجدية والصرامة وفي المقال الساخر قد يستشهد الكاتب بأبيات شعرية ساخرة أو لمحات طريفة مثيرة أو حكم وأمثال وأقوال مأثورة. وليس ببعيد أن يلجأ الكاتب إلى أسلحة الدعابة والسخرية والفكاهة والنكتة لأجل إغراء القارئ في هذا الزمن الذي يحتاج فيه الإنسان إلى الابتسامة والتفاؤل وهذه الأسلحة الصعبة لا يجيد استخدامها إلا الكاتب الذي يتمتع بظل خفيف ويملك الدعابة والنكتة والنظرة الثاقبة والرؤية الواسعة التي باستطاعتها أن تكشف كل مواطن الخلل والنفاق والانتهازية وغيرها من السلبيات التي تغلف الحياة اليومية لكل الناس والقلم الساخر قلم يعلم حدود المساحات وآفاق البعد في طريقة التناول للفكرة، وفي أسلوب تمحيصه وتوظيفه وإبراز خلفياته وارتباطاتها بما يعنيه ويدور حول محوره منعا للشتات، واستخدام أسلوب المفارقة والتورية مستخدماً الأمثال تارة، وتارة أخرى مستخدماً القصص ذات العبر والهدف الواضح والخلاصة و التردد بين المفهوم الواضح والمغزى المتخفي بحيث لا يكون هناك إغراقاً بالمواربة مما يعيق الفهم، وشد انتباه للموضوع من خلال عنوان جاذب يستفز فضول المتلقين، عدا عن البدء بعناصر التشويق لتحفيز المتلقي للمتابعة.
وهناك كتاب وإعلاميون مؤهلون لهذا اللون من الكتابة والتعبير، فتجد فيهم طبيعة متفجرة للنقد، وغريزة متحفزة للتعبير المتهكم، وقدرة عفوية على الربط والتحليل والتعبير عنها بأقل الكلمات وأوفاها قيمة.
أما الأستاذ صالح الحميدي يحلل النكتة السياسية في اليمن ويقول :
الأوضاع في اليمن تشبه صلاة الجمعة في السجن المركزي والسخرية ونكاتها تظل سلاحا شعبيا بامتياز تخفف من وطأة الظلم والقمع والفقر وتدفع بالمواطن لمواصلة حياته والنكتة مرة لغما لا تدري متى ينفجر وكم قدرته التدميرية، ومرة أسطوانة أوكسجين يتنفسها البسطاء!!
ويشير الحميدي إلى أن النكتة في اليمن تتحكم في قوتها وتأثيرها عوامل مختلفة أهمها عامل اللهجة التي تروى بها؛ فالصنعاني له لهجته المميزة في قول النكتة وإخراجها، وإذا نقلها شخص غير صنعاني فإنها تفقد بريقها وقوتها وقيمتها وتأثيرها وتتحول إلى "دراما"!!
ومعروف عن الصنعاني قدرته على مزج النكتة الاجتماعية بالسياسية، التي تجعل منها جديرة بالاهتمام والمتابعة ناهيك عن اللهجة المحببة في قول النكتة، تماماً كاللهجة العدنية أو اللحجية (نسبة إلى محافظة لحج) التي اشتهر أبناؤها بأنهم أصحاب نكتة حقيقية كما أن للحضارم (نسبة إلى حضرموت) طريقتهم المميزة في قول النكتة !!
يقول الحميدي: هذه النكتة بقدر ما هي مجرد سخرية وتنفيس عما في نفوس الناس فهي أيضا رسالة. وواضح أن النظام الذي يسرق شعبه يصعب عليه في أي وقت من الأوقات أن يجد من يصدِّقه أو يثق فيه، وبالتالي سنجد أن حالة اليأس التي خلَّفها النظام قد أفسدت كل شيء حتى صار الأمر بهذه الصورة.. سألوا مواطناً يمنياً كيف الأوضاع في اليمن..؟
ردّ قائلاً: الأوضاع في اليمن تشبه صلاة الجمعة في السجن المركزي
المؤذن قاتل
والخطيب قاتل
والإمام قاتل
والمصلون سرَق".
وأتفق مع الأستاذ الحميدي في قوله : إذا كان الجنوبيون قد نالوا أكثر من نصيبهم خلال سنوات من الوحدة، فإن ما حدث بعد الحرب الأهلية كان سلسلة من السياسات الخطأ التي عمقت الجرح الذي خلفته الحرب، وعبَّرت عن فهم سيء لقاعدة ابتلاع الأكبر للأصغر، وأدت تلك السياسات إلى تحويل الجنوبيين سياسياً إلى مجرد قوة هامشية وتمّ تخفيض تمثيلهم السياسي في المواقع الرئيسة والمؤسسات السياسية المختلفة، وبالتدريج إلى أن أصبح في نظر الكثيرين منهم مجرد تمثيل رمزي وتم تسليط سيف التقاعد على الكثير من القيادات الجنوبية في القوات المسلحة والأمن. أما أراضي الجنوب؛ فقد تم توزيعها على المؤلفة قلوبهم من النافذين في السلطة، وتحول الجنوبيون في الكثير من المدن والمراكز الحضرية إلى غرباء في بلادهم. يسأل الزائر لمن هذه المزرعة؟ ويأتي الجواب هذه مزرعة الأفندم.. وتلك؟ ويأتي الجواب.. للافندم أخو الافندم! وتلك لابن أخ الافندم، وهكذا دواليك ..ولم تجعلهم تلك الممارسات القمعية يكرهون الوحدة بل ويكفرون بها !!
وكما كانت النكتة السياسية مادة لنقد الشخصيات السياسية العامة، كانت أيضا وسيلة لتوصيف سياسة القوى والأحزاب السياسية الحاكمة تجاه المواطن والمجتمع، فالمواطن في الجنوب في ظل قسوة حكم «الاشتراكي» كان يرفع شعار «تخفيض الراتب واجب»، وفي ظل «المؤتمر» كان الشمالي يرفع شعار «اللي ما يغتني اليوم ما يشبع بكره»، وفي ظل «الإخوان» صار يرفع شعار «من ربى دقنته حافظ على وظيفته»، أما في ظل سيطرة الحوثيين فأصبح شعار المواطن: (أحفظ الصرخة الحوثية.. تأمن اللجان الشعبية(.
د. علوي عمر بن فريد