د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
وطني الجنوب ينبض في القلوب
لكل إنسان وطن يعيش فيه، لكن العربي الجنوبي يحمل وطنه في قلبه، فمن يعيش في المنفى قسرا، ينسج في ذاكرته وطنا متخيلا، يحيا على أمل العودة إليه، ويرسم له صورا تحفظها الذاكرة، يستدعيها كلما هاج الحنين واستبد، مما أوجد عنده ارتباطا شعوريا دائما بالمكان.
فالصراع بين الجنوب العربي وجارته العربية اليمنية هو صراع على الأرض والثروة وهما بالنسبة للعربي الجنوبي تشكلان خارطة الوطن السليب بكل حبات رماله وجباله ووديانه ، الذي يسعى لاستعادته باعتباره فضاء للهوية، لهذا حضر الوطن بقوة في وسائل الإعلام ، فهو في المقال و الرواية وسائر وسائل الإعلام الأخرى كما هو في الحياة ينبض داخل كل القلوب التي تحمله في داخلها .
الجنوب العربي هو الوطن و الأمان والملاذ والحضن الذي يبقى في أعيننا أجمل وأروع من كل بلاد الدنيا ، وهو الذي يسكننا ويسرى فينا مسرى الدم في الشرايين وكلما ابتعدنا عنه زاد حبنا له . فالوطن لا يعوض... وان سرق منا ضعنا وتاهت خطواتنا في المجهول ، ولصوص الأوطان كثر ويسعون بكل ما يملكون من أدوات ووسائل شريرة لاختطاف الأرض من أصحابها والعبث بها والسيطرة على ثرواتها ونهبها وطمس تاريخها واستلاب هويتها و ماضيها وحاضرها ومستقبلها وتهجيرنا للمجهول وهذا النوع من السرقات لا علاج له إلا المقاومة الباسلة حتى نستعيده .
لقد بدأ اختطاف الوطن بداية من قبل فئة مارقة من أبنائه احتكروا كل شيء لأنفسهم وطردوا الكفاءات العلمية والنخب السياسية والوطنية واحتضنوا الجهلة والمجرمين وأرباب السوابق حتى تصدروا المشهد السياسي وأضاعوا الوطن بسبب طيشهم ورعونتهم وحماقاتهم فراهنوا على الجنوب وضاع من أيديهم ليس من عام 1994م بل منذ تأسيس حزبهم عام 1963!!
واليوم تعود نفس تلك "النفايات السياسية " عفوا النخب السياسية التي صادرت الوطن, واستبدلته واختطفته لعقود طويلة وأدت به إلى التهلكة وساقته إلى مقصلة الوحدة, عادت اليوم ترفع شعار "استعادة الدولة" استعادة "الوطن" , وهم من أضاع الدولة والوطن، والأدهى من ذلك كله أن هناك من لا زال يؤيدهم ويصدقهم ويرفع صورهم وأعلامهم في الساحات والميادين, ويتبنى فكرهم ويدافع عنهم, وأسأل أولئك هل ما زلتم في غيبوبة سياسية وذهنية؟
هل ما زلتم تتبعون السراب والوهم, وتستجرون نفس الشعارات وتلهثون خلف تلك الزعامات الهلامية التي أكل عليها الدهر وشرب وربما نام؟!!ّ
لقد تجاوزت الأيام تلك القيادات وهي لا تزال مصرة على مداعبة خيالات الجماهير بنفس شعاراتها الثورية السابقة!!
إن نتيجة فشلنا نحن أبناء الجنوب في حماية بلادنا وصونها من الغزاة والطامعين, هي بسبب تضخيم الأنا وإقصاء الكل, فما إن يرحل طامع حتى يتسلق على أكتافنا أسوأ منه, حتى أصبح الوطن ساحة للاستقطاب والموالاة للغرباء, وباباً لإقصاء أبناء جلدتنا وعدم الاعتراف بحقهم الشرعي في الشراكة والمساواة, ليصبح الكل مجرد رعية, إما أن تسمع وتطيع أو تساق إلى السجون والمقاصل!!
فمتى نتسامى على جراحاتنا؟ ومتى نتلافى أخطائنا؟ ومتى نتصارح قبل أن نتصالح؟ ومتى نتفق على خطة وطنية توحدنا نحن أبناء الجنوب حتى نستطيع مواجهة كل الطامعين ؟!!.
لقد بحثت عنك يا وطني في شعاع الشمس أينما رحلت فلم أجدك, لقد بحثت عنك يا وطني في قطرات المطر فلم أجدك, جلست على الشاطئ الأزرق في اللاذقية، والمعمورة في الإسكندرية، وشواطئ بورموث في انجلترا, فلم تسلبني المشاهد وجمال المناظر فتذكرتك..وظلت صورتك يا وطني في مخيلتي أكتبها على رمال الشواطئ, وطني أنت البداية والنهاية, رغم قسوة المسافات والحدود التي تفصلك عني, وعيون الجلادين الذين يرصدوني, عندما أتذكرك يتسلل الدفء إلى صدري والنور إلى عيوني, والنسيم العليل إلى رئتي, وينساب الفرح إلى أهدابي, أتخيلك كلما رأيت قوس قزح فأنت أجمل منه ومن كل البلاد والفضاءات, وما أقول هنا ليس بكاء على أطلالك يا وطن إنه دفاع عن ذاكرتك عن حياتك وحضارتك, يوم قدمت إليك صبياً أدافع اليوم ليس حنيناً لعمر شخصي, عندما كانت الأرض لا تسعني وأنا في مقتبل العشرينات, ذلك أنني إلى اليوم بقلب فتى عشريني لا تسعه الأرض, مثلما هو ليس بكائية لوطن "شخصي" يكاد ينتزع منا نحن الذين نحبه، وندرك قيمته، ونكاد نراه يتبدد، ولا نحرك ساكنا من أجله..!
إنه الدفاع عن جرح غائر لا يندمل اسمه الجنوب العربي, الذي سيظل نابضاً وإن كان بالكثير من الألم والقليل من الأمل.
أبحرت في كل السفن في عرض البحر أبحث عنك, سافرت في عشرات الرحلات وسكنت في مدن النور والتاريخ في غرناطة, واشبيليه, وقرطبة.
مشيت حافياً وراكباً في القاهرة, وبغداد ودمشق, وقفت على ضفاف نهر النيل ودجلة و التايمز وبحيرة الهايد بارك .. تذكرتك يا وطني فقد كنت الحاضر الغائب في القلب والوجدان .. وإليك أهدي هذه الأبيات:
حزني عنيد وجرحي أنت يا وطن لاشيء بعدك مهما كان يغنينا
إني أرى الدمع في عينيك نازلة نبكي عليك وأنت الآن تبكينا
د. علوي عمر بن فريدلرر