د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
مرثاة وطن مزقته الحروب !!
نرثيك يا وطني في زمن عز فيه الرثاء ويتناوب فيه الطغاة عليك .. طغاة يلبسون مسوح الوعاظ ويتدثرون بالدين والبعض منهم المشير والوزير والشيخ وكلّهم يَقودك إلى الخراب ، حاربونا لأننا لم نصمت ..ولاحقونا لأننا نكشف سوءَ ما يَفعلون وزيف ما به ينطقون ولم يتركوا لغير المدّاحين والدجّالين من سبيل إلى النّطق. فلا كلام إلاّ بما يتغنّى بأمجادهم وإن لم تكن سوى أوهام ولا كلام إلاّ بما يُلهينا عمّا يفعلون. ولا نطق إلاّ أن يكون تعبُّداً وتهليلاً ولا لسان إلاّ ما يظلّ لمَشيئتهم عبداً ذليلا. في عصر حَسِبَ فيه أبنائك أيُّها الوطن أنّ لهم فيه حريّة تعبير وتقرير مصير. ينهبون ثرواتك ويمزقون أوصالك ويتمتعون بخيراتك !!
نرثيك يا وطني وقد مزّقتك الفتن والأهواء المِلل والنّحل والأحزاب والمناطقية والسلالية . و الإرهاب والاضطهاد والدواعش والطواهش وجعلوا فيه من الأخ عيناً على أخيه .
بلى أيّها الوطن إنّا لنرثيك غارقين في أسى مآسيك نحمل عبء حقيقتك الفاجعة على كواهلنا المُنهكة وليلَ تاريخك الحزين في عروقنا النابضة. لا يفاجئنا سقوطك الدّائم نحو حضيض الهاوية بل يفاجئنا أنّك رغم كلّ شيء ما تزال واقفاً على قدميك. بلى أيّها الوطن إنّك لأنتَ أنت الضحية والقاتل الغادر والمغدور التّاجر والمُتاجَر به ّ!!ّ
يا وطني العظيم بعض الخونة من أبنائك يَبنون انتصاراتهم الوهمية على فقرك وعلى وجوه البسطاء التي نهشها الحِرمان وقمع السنين الطّوال وظلم الحكّام الطغاة. الذين يَحتفون في صالوناتهم الوثيرة وقصورهم وفنادقهم البعيدة التي أشادوها من امتصاص دمائك الخَيِّرة وغرف نومهم المترفة من أموالهم الطائلة وثرواتهم الهائلة التي جمعوها من حروب مستمرة قاموا فيها بتمزيق أشلائك الواهنة وإطفاء كل ومضة من نور استطعت إيقادها بضنى السّنين وعرق اللّيالي ومكابدة الجّراح. بلى أيّها الوطن الجميل أنت كالقلب الواهن مثل خيط عنكبوت في عالم لا يعرف سوى القوَّة والتّدمير وغياب الضمير قيمةً وقدراً. ولا يَحفَلُ إلاّ بقواعد التّجارة والربح والخسارة التي تحميها الجيوش الهادرة والقوّة الفاجرة.
سنرثيك أيّها الوطن الوديع كالحمل الضائع رغم ما يبدو على وجهك الصغير من تجاعيد صنعتها مرارة الغضب والموجِدَة وإحباط السنين فيحسبُها الناظر تقطيبة الأسد الهَصور. بلى إننا سنرثيك لأنّك تعيش في عالم هو مرتع مُبَاحٌ لضواري الذّئاب وأنت أَوْهَنُ من شاة هَرِمة تتقاذفها رياح الصحاري.. ينهش صغار الذّئاب لحمك بحماية كبارهم وأنت عاجز حتى على العَضّ كما يَعَضّ ابنَ آوى ذبيح.
ويفترس كبار الذّئاب قلبك النّازف فلا تَقْوَى إلاّ على عويل الفريسة . وإذا حدث في غفلة من الزّمن أن اشتدَّ لك زندٌ وأينَعَ لك عودٌ وانتزعتَ بعَرَقِ الجبين وضنى اللّيالي سهماً في غابة العالم تريد أن تَذود به عن أعضائك العارية هجَموا عليك هجومَ الضواري يكسرون سهمك النّحيل ويسلخون عن جلدك حتّى الرداء الذي به تحميه من الريح.
إنّنا سنرثيك أيّها الوطن ذلك أنّك وأيْمُ الله لجدير بأ بلغ الرثاء. جديرٌ بأكثر المراثي مرارةً
.
بلى أيُّها الوطن إنّنا لنرثيك.. ذلك أنّنا لا سلاح لدينا سوى الكلمات لا نستطيع أن نقدّم لك سوى المراثي أو نُطَوّقَكَ بسوى الوله الكسير والرغبة الجّموح. غير أنّ مراثينا لن تكون مراثي العجزة اللاّجئين إلى قضاء الكلام ينسجون حول أنفسهم شرانقةً كيْلاَ يَلسَعهم وهج نيران الفجيعة بل المراثي التي تُشعِلُ في صدرك الذبيح لهفة الصراع من أجل أيّامك القادمة من أجل أن نغسل بفورة الدماء وصمة العار والشنار والقماءَة من أجل أن تَستَعيدَ يَقينَك الّذي هَشّمته وحشيّة المُرائين المخادعين بحقك المغتَصَب مرّة بعد مرة ومن أجل ألاّ تدع قوَّة الإنتهاك تقنعك بأنّ البديلَ الوحيد أمامك هو أن تُقِرَّ بشرعيّة الاغتصاب وتتخلّى عن حقّك السّليب وقسطك النّهيب.
بلى أيّها الوطن سوف نرثيك في محنتك التي صنعها لك أبنائك بقدر ما حاكها لك أعداؤك. حين انهالت يَدُ الأخ بخنجر مسموم تطعن صدر أخيه الأعزل العاري وتستبيح ماله وتقوّض بناياته وتهدم أركانه
وأنّ الغريب الذي جَمَحَ لنجدته لم ينجده محبّةً به بل من أجل أن يَضمنَ هيمنته على كلا الأخوين الباغي والذي حَلَّ به البغي. فالغريب لا يعرف مصلحة إلاّ لنفسه ولا يؤمن بحقّ غيرَ حقّه ولا يُحارب من أجل شيء إلاّ مكاسبه ولا ينتخي إلاّ حفاظاً على قدرته في أن يبقى أبداً سيّداً على الأخ الظّالم والمظلوم.
بلى أيّها الوطن إننا لنرثيك نحن الذين لا نملك سوى الرثاء. فلقد انتزعوا من أفواهنا الألسنة الناطقة بغير التافه المُرائي. إنّما هم بكوابِحَ لكل قَمٍّ يغمغم بكلمة من حقّ تكشف سوءَ ما يَفعلون وزيف ما به ينطقون ولم يتركوا لغير المدّاحين والدجّالين من سبيل إلى النّطق. فلا كلام إلاّ بما يتغنّى بأمجادهم وإن لم تكن سوى أوهام ولا كلام إلاّ بما يُلهينا عمّا يفعلون. ولا نطق إلاّ أن يكون تعبُّداً وتهليلاً ولا لسان إلاّ ما يظلّ لمَشيئتهم عبداً ذليلا. في عصر حَسِبَ فيه أبنائك أيُّها الوطن أنّ لهم فيه حريّة تعبير وانعتاق مصير.
سوف نرثيك في محنتك التي صنعها لك أبنائك بقدر ما حاكها لك أعداؤك. حين انهالت يَدُ الأخ بخنجر مسموم تطعن صدر أخيه الأعزل العاري وتستبيح ماله وتقوّض بناياته وتهدم أركانه.
د. علوي عمر بن فريد