ماهر فرغلي يكتب:
الحركية ووسائل التخفي الإخوانية
على الرغم من أنّ العديد من الأنظمة والشعوب قد كشفت الكثير عن تنظيم الإخوان، إلّا أنّ الأخير يظلّ له، وفق معطيات عديدة، وسائل كثيرة للتخفي على المستوى الفردي أو الجماعي.
يُعتبر ما يُطلق عليه فقه الحركة هو الدستور المتكامل للعناصر الإخوانية، وهو ذلك الدستور الذي يرسم صور التحرّك على محور الظهور والشكل، ومحور الحركية الإخوانية.
في الدعوة الفردية يجيز فقه الحركة استخدام تفسيرات خاصّة للتراث الديني، كالاقتباس، وتركيب ما لا يجوز على ما يجوز
ووفق ما ورد في كتاب جمال سلطان (فقه الحركة) الصادر في برمنجهام ـ لندن، فإنّ هذا الفقه يجيز استخدام ما لا يجوز من باب الضرورة، ويعطي شكلانية للإخواني مختلفة كثيراً عن أصولية التيارات السلفية الأخرى.
على المستوى الفردي سنجد الإخواني مختلفاً في اللباس والزينة والشكل، فهو لا يحافظ على السلفنة كاللحية، أو الجلباب القصير، أو العمامة... إلخ.
من ناحية أخرى، على مستوى السلوك سيقوم بأيّ وسيلة للتخفي، وعدم كشف انتمائه للجماعة، حتى لو ارتكب الكذب واختلق المعاذير.
في الدعوة الفردية يجيز فقه الحركة استخدام تفسيرات خاصّة للتراث الديني، كالاقتباس، وتركيب ما لا يجوز على ما يجوز، فضلاً عن التضخيم وتصنيع رموز للقداسة الجماعاتية، مهما خالف ذلك الواقع.
وعلى المستوى الجماعي تكون الحركية والتخفي في أعلى مستوياتها بسياسة التجميع، التي تعني (ميوعة) الجماعة، وجمعها لكلّ الأفكار والاستراتيجيات في بوتقة واحدة، فلا هي صوفية، أو سلفية سنّية، أو شيعية، أو جهادية، بل هي الكلّ معاً، وهو ما عبّر عنه المؤسس حسن البنا في مجموع الرسائل ص١١٠ بقوله: "نحن دعوة سلفية، وطريقة سنّية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية"، وهنا تبدو جماعة الإخوان حركة لها علاقة بأشكال التسلف أو التشيّع أو التصوّف؛ أي إنّ لها منحنى سلبياً يتمثل في اختراق الجماعة للكلّ معاً، أو استخدام المفاهيم كلها معاً، ليصعّب ذلك المهمّة على من يريدون كشف التنظيم.
ويبدو في رأس الاستراتيجية القيادة المعلنة والأخرى الخفية، أو ما يُطلق عليه (التنظيم الموازي)، فالمعلن هو المحرقة، التي تكون في المواجهة الدائمة، والخفي هو الأصلي والمكوّن الحقيقي للحركة.
في التاريخ الإخواني سنجد مرشداً خفياً وآخر علنياً، فعقب وفاة البنا، وتحديداً في عهد الهضيبي ومن بعده التلمساني، كان من وراء الستار المرشدان الخفيان (حسين كمال الدين وحلمي عبد المجيد)، وفي الاستراتيجية الإخوانية: التنظيم العلني والخاص السرّي، والجناح السياسي الدعوي، والآخر الاقتصادي، والعسكري.
يخترق الجناح السياسي المؤسسات بشكل قانوني وشرعي، وعن طريق التخفي وراء شعارات الحرّية والدمقرطة يخلق جمعيات وأحزاباً تنظيمية للتنفّذ في مواقع القرار ومفاصل الدول.
تختلط هنا التفسيرات الدينية والسياسية، ويعمل الإخوان مع مستقلين، وأحزاب ليبرالية علمانية، ويستقطبون قوى سياسية أخرى تحت عنوان (مصلحة الدعوة).
وبينما يرفعون شعار الوطنية أمام الساسة، يستخدمون الأستاذية العالمية أمام أفراد التنظيم، وحين يبدون مسالمين لأقصى درجة مع الأنظمة القادرة، يستخدمون التكفير والإقصاء مع الأحزاب والجماعات والأنظمة السياسية الأخرى.
وفي كلّ الأحوال تصبح النصوص الشرعية وسيلة للتخفي، بدءاً من الانتقاء إلى التأويل والتفسير الممنهج، ومتطلبات ذلك من الكتب والفتاوى التي يقرّها التنظيم.
سيبيح التخفي الاقتصادي التمويلي إقامة مشاريع تجارية تشاركية مع علمانيين، واستدراج التجّار والأثرياء لضمّهم إلى التنظيم.
ويدفع التخفي لاختلاف الخطاب الدعائي الإعلامي للجماعة، فهو للغرب غير الشرق، وهو للداخل غير الخارج، وبينما هو للصفّ ثائراً مجاهداً، فهو للأنظمة مسالماً، وللشعوب يبحث عن الخبز والعيش والحرّية.
بينما يرفع الإخوان شعار الوطنية أمام الساسة، يستخدمون الأستاذية العالمية أمام أفراد التنظيم، وحين يبدون مسالمين مع الأنظمة القادرة، يستخدمون التكفير مع الأحزاب الأنظمة السياسية الأخرى
وفي الناحية العسكرية الخاصة، لا يمنع التخفّي من صناعة مجموعات تنظيمية مسلحة بأسماء أخرى غير الإخوان، واستغلال المناشط الدعوية في الدفع لصناعة مجموعات مغايرة للجماعة، لكنها المحرقة التي تشغل الأنظمة في معارك جانبية عن التنظيم الإخواني، الذي يتحرك في نواح أخرى يستغلّ فيها العمل الظاهر، كالمؤتمرات والرحلات والمخيمات، لاحتلال هوامش المجتمعات، ثمّ تضييق الدائرة تماماً على المركز لإسقاطه تماماً في قبضة الجماعة.
كما يكون التخفي متناهياً في نقد التنظيمات المسلحة الإرهابية من وراء ستار، يتمّ دعمها عن طريق إخوانيين منشقين، يعلن التنظيم براءته منهم، وكان ذلك حاضراً في حالة عبد الله عزام، أو تنظيم الفنية العسكرية، أو في المنظمات المسلحة كحركة حسم، والتقسيم (العنقودي)، الذي يتمّ من خلال مشرفيها الإخوان، في وقت تنكر فيه الجماعة صلتها الدائمة بها.
وتستخدم الجماعة دعاة مستقلين وكتاباً ومفكّرين، وتدعم بناء مدارس ومنابر إعلامية، وبرامج بالشبكة العنكبوتية، ومؤسسات خيرية، وكلها أذرع خفية يتخفّى أعضاء الجماعة وراءها.
في النهاية، تصبح النسخة الفردية والجماعية من الإخوان مختلة وممجوجة، ودون هوية واضحة، ومنقلبة على ذاتها، تتحوّر وتتكوّر للوصول إلى هدفها بأيّ وسيلة جائزة أو دون ذلك، لأنه في الخلفية حركية التخفي قائمة وحاضرة طوال الوقت.