ماهر فرغلي يكتب:

«برنامج ندوة للرأي».. هل يجدي الحوار مع الإرهابي؟

هل يجدي الحوار مع إرهابي؟ هل يستطيع المشايخ، مهما كان قدرهم، إقناع قاتل، أن يخفض سلاحه الذي يرفعه بوجه آمنين؟.. إن هؤلاء الذين ليست لديهم قناعة بمن حولهم، ويوزعون سخطهم على الجميع.. ويتوسعون في مفهوم الانتماء لتنظيم، لدرجة أنه جعلهم يمتلؤون بمشاعر الاستعلاء والتعصب، حتى على العلماء، وملأهم هذا إحساسًا باقتناص الحق المطلق، واحتكار الحقيقة، كيف تجدي معهم المراجعات والتقويمات؟. 

هذه الأسئلة المنطقية، طرحها البعض وعارضها آخرون، ارتأوا أن الحوار ينبغي أن يسير في اتجاه محدد، وأن يكون هناك من لديه القدرة على مواجهة أفكار الإرهابي؛ لنصل بالنهاية إلى أن يعترف المتطرف بالتعددية، ويؤمن بتأسيس بنية، تؤمن بوجود الآخر، عن طريق فتح نوافذ التفكير.

الرأي الثاني، دعمه نجاح برنامج الحوارات مع الإرهابيين، الذي كان يعرض في التليفزيون المصري عام 1981، ويقدمه الإعلامي الشهير، حلمي مصطفي البلك، رئيس الإذاعة الأسبق، الذي حاور كبار قادة التنظيمات، ونجح نجاحًا باهرًا، والأول، دعمه فشل حوار الإعلامي عماد أديب، مع الإرهابي الليبي عبدالرحيم المسماري.

وزارة الأوقاف المصرية، كانت مع الرأي الثاني، ورأت ضرورة عودة برنامج الحوارات «ندوة للرأي»، وفي إطار تعاونها مع الهيئة الوطنية المصرية للإعلام؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح، وإبراز سماحة الأديان، ومواجهة الفكر المتطرف، وتصحيح المفاهيم الخاطئة.

أعادت الوزارة البرنامج للواجهة؛ إذ صرح الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، بأنه سيتم تقديم البرنامج، بمشاركة نخبة من العلماء والمفكرين المستنيرين، مشتبكًا مع قضايا الفكر والرأي والتجديد، وانطلقت بالفعل أولى ندواته من مسجد السيدة نفيسة، ودارت حول موضوع «فهم المقاصد الشرعية وأثرها في ضبط مسيرة تجديد الخطاب الديني».

وزير الأوقاف المصري، صرّح بأن تلك الندوات سيتسع نطاقها ويتعدد انطلاقها؛ لتصير أسبوعية، أو نصف شهرية على الأقل، كما سيتم إفساح مجال واسع أمام مشاركة الشباب والمرأة فيها، خاصةً شباب الأئمة وواعظات الأوقاف، كما أنها لن تكون قصرًا على علماء الدين، وإنما تتسع للمفكرين وكبار المثقفين والإعلاميين، وسيقوم قطاع التليفزيون والفضائية المصرية وقطاع الأخبار ببث ملخصات وتقارير إخبارية عن الندوات، التى تهدف إلى إبراز سماحة الأديان، ومواجهة الفكر المتطرف.

ندوة للرأي من الفرماوي للسماوي

اشتبك برنامج «ندوة للرأي»، مع كبار قادة التنظيمات، بدءًا من عام 1981 وحتى عام 1984، وبدأ بمناظرة مؤسسي جماعة التكفير والهجرة، ثم طه السماوي، الذي كان له ندوة شهيرة، انسحب فيها على الهواء؛ بحجة أنهم يشوهونه إعلاميًّا، ومحمد سالم الفرماوي الذي كان يكفر الجميع![1].

في شهر فبراير عام 82، عرض برنامج ندوة للرأي حلقة هامة، وهي حوار مع محمد يوسف البواب، وهو قائد جماعة تكفيرية بمدينة بورسعيد، واثنين من أتباعه تابا عن أفكارهما، هما: «محمود محمود كسبة، الطلب بكلية الهندسة، ومحمد محمود الثقبي، الطالب بالأزهر»، وناظر التكفيريين «الشيخ موسى شاهين لاشين من علماء الأزهر الشريف».

كان البرنامج يعرض الحقيقة المجردة، طارحًا أفكار التنظيم عن تكفير الحاكم، وتكفير المجتمع، وتحريم العمل في مؤسسات الدولة، وتحريم الصلاة في المساجد، وإطلاق الكفر على الجميع، واعتبار الهجرة واجبة من الدولة التي هي دار حرب، إضافةً إلى تحريم التعليم، وتكفير صاحب المعصية.

تحدث محمود كسبة، من مدينة بورسعيد، كيف أقنعته الجماعة بإهمال الدراسة، وقال: إن فهمي للقرآن كان ضعيفًا، وأنه حينما التقى علماء؛ لأنه أمر ديني، أقنعوه بخطأ أفكاره.

مؤسس التنظيم، تحدث عن التشابه مع الفترة المكية، إلا أن الشيخ موسى شاهين، رد بالفرق بين الإسلام والإيمان، وقال: إنهم اقتطعوا أجزاء من الموطأ، ثم كفروا صاحبه، وأن الأحكام تجري على أن كل من يحمل قرينة بالإسلام أنه مسلم.

كان الإعلامي المتميز، «حلمي البلك» يقول: «إذا كنت صاحب فكر، فاعترف بالحقيقة، وإذا كنا نظن أننا عقلاء سنستمر بالنقاش».

الندوات تنتقل للمساجد

انتقلت ندوات الحوار بالرأي، من السجون إلى الأستوديو، ومنه إلى المسجد، تحت عنوان آخر، وهو «ندوات تصحيح المفاهيم»، وعقدت ندوة بمسجد آدم، في حي عين شمس بالقاهرة، وفى مسجد الجمعية الشرعية بمحافظة المنيا، وأخرى فى محافظة أسيوط، شارك فيها «عبد الآخر حماد، وأحمد عبده سليم، وطلعت ياسين»، وكان طرفها الآخر المفتى ووزير الأوقاف «كان ذلك فى أوائل العام 1987»، وطرحت فيها بعض القضايا الشرعية، التي كان من أهمها، تغيير المنكر باليد لآحاد الرعية؛ حيث كثُر اللغط في تلك الفترة حول هذه القضية، وصار أمرًا عاديًّا، أن تتناقل وسائل الإعلام الحكومية كل يوم تقريبًا، تصريحات للمفتى ووزير الأوقاف حول هذا الموضوع. 

ومن تمام القول في ذلك أنه عُقد فيما بعد «فى عام 1988» مؤتمرًا فى الجامع الأزهر، تحدث فيه كل من «الشيخ متولي الشعراوي، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ الطيب النجار»، وفي في نهايته، ألقي بيان، كان في بعض سطوره: «نحن نعتقد فى إيمان المسؤولين في مصر، وإنهم لا يردون على الله حكمًا، ولا ينكرون للإسلام مبدأ، وإنهم يعملون على أن تبلغ الدعوة الإسلامية مداها تحقيقًا وتطبيقًا».

واستضاف البرنامج جماعة التبليغ، وذهب إليهم في مركزهم الرئيسي، وناظرهم «الشيخ عبد الصبور شاهين، والشيخ محمد الغزالي»، الذي تحدث عن الثغرات في هذه الجماعة، وأن العصر وفد بقضايا ومعلومات ومواقف جديدة، وكان ذلك عام 1984.

ومن المهم، الإشارة إلى أن البرنامج، رغم أنه كان يعرض بالتليفزيون الرسمي للدولة، إلا أنه كان يستعين برموز من الجماعات؛ لمناظرة الجماعات الأخرى، وبدا ذلك واضحًا في مناظرة مؤسسي المدرسة السلفية «سعيد عبد العظيم، ياسر برهامي، وسيد غباشي»، التي حضر فيها من العلماء «الأحمدي أبو النور، وزير الأوقاف الأسبق، والدكتور جمال الدين محمود»، وكان ذلك عام 1983م، بحضور محافظ الإسكندرية «اللواء فوزي مُعاذ».

حوار ناجح وآخر راسب

توقف برنامج «ندوة للرأي» في نهاية عام 1984، ولم يعد حتى مع الموجة الإرهابية، التي طالت مصر في فترة التسعينيات من القرن الماضي، ومع مبادرة وقف العنف، التي أطلقتها الجماعة الإسلامية، بدأت الندوات من جديد بالسجون، لكن من صنعوها وأداروها ونفذوها، هم بأعينهم من كانوا قادة للعنف في يوم ما.

ومع الموجة الإرهابية الأخيرة، عقب عزل الإخوان من حكم مصر في ثورة 30 يونيو 2013، فوجئ المواطنون بحوار تليفزيوني مع الإرهابي «الليبي عبد الرحيم محمد عبد الله المسماري»، المتهم هو وخلية الواحات بقتل نحو 16 شرطيًّا مصريًّا.

حوار عماد الدين أديب، وإن كان انفرادًا له على مستوى وسائل الإعلام المصرية، إلا أنه تسبب في حالة جدل عارم بالشارع والمجتمعين «السياسي والإعلامي»، فذهب البعض إلى أن «أديب»، فشل في إدارة الحوار؛ ليروج للفكر المتطرف بأسلوب الإرهابي، في الحديث عن عقيدته الفكرية وتدليله عليها، بينما رأى آخرون، أن الحوار مهم؛ لمعرفة كيف تفكر الجماعات الإرهابية، وكيف تنجح في استقطاب الشباب إليها؟؛ تمهيدًا لتفنيد هذا الفكر والرد عليه؛ لتحصين الشباب من الوقوع في براثنه، إلى جانب كشف تفاصيل ما حدث في عملية الواحات الإرهابية.

في تصريحات، نقلتها وسائل إعلام، انتقد الدكتور محمد المرسي، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة الحوار، كون عماد الدين أديب ليس مختصًا في الأمور الدينية، ولم يستطع الرد على الإرهابي بالبراهين والحجج، التي تدحض فكره المنحرف.

ورأى آخرون، أن الحوار كان يفترض به أن يكون في إطار الحصول على معلومات عن المجموعة الإرهابية، وكيف عبرت الحدود المصرية؟ وكيف مكثت عدة أشهر؟ وكيف قامت باستهداف قوات الشرطة؟، وصولًا إلى القضاء على المجموعة على يد أبطالنا بالقوات المسلحة، حتى يكون بذلك حوارًا ناجحًا.

الحوار الفكري واجب

من المهم، أن نشير إلى أن الصراع بين الجماعات والدول، هو أيديولوجي في المقام الأول، وصراع فكري، ينتهى عضويًّا، بانتهاء العنصر المنضوي في التنظيم، أو غير عضوي بالقضاء على فكره، والتفسير لما يجرى، أننا نهتم كثيرًا بالجانب العضوي الأمني، دون الجانب الفكري، وهذا خطير؛ لأن رأس هذه التنظيمات فكري، وجسدها الآخر هيكل تنظيمي تمويلي، ومن أجل تجفيف المنابع، لابد أن نعني بالجانب الأول، ويحتاج هذا إلى منظومة متكاملة من الأدوار التكميلية، ومنها برنامج «ندوة للرأي»، الذي كان يثبت جهل هذه العناصر بالأفكار.

يرى الدكتور ناجح إبراهيم عبدالله، أحد مؤسسي الجماعة الإسلامية، والمفكر الشهير الآن، أثناء ندوة له في مؤسسة «البوابة نيوز»، أن هذه الجماعات تمتلك مجموعة من القدرات، أهمها القدرة على ضم عناصر جديدة عبر أفكارها، وحشد الجماهير، والاستقطاب، وكل هذا يتأتى بأفكار مصفوفة، في أبحاث وكتب لها، ومن غير تفتيت هذه الأفكار، فلا جدوى، والدليل، أن أفكار «داعش»، تنتشر في بعض السجون، وقام عناصر من هذا التنظيم، بمحاولة استقطاب عناصر من الجماعات المحكومة الأخرى، وهذا ما رواه أحد قادة الجبهة السلفية، في كتابه «حوارات ساخنة خلف قضبان باردة»، الذى شرح فيه عن تلك المناظرات الفكرية، التى تمت بينهم، والتي تحتاج إلى حوارات من علماء الأمة مع هذه التنظيمات وعناصرها؛ خشية أن يخرجوا بذات هذه الأفكار المتطرفة، ويكونون عبئًا على المجتمع.

«إبراهيم»، يرى أن عودة برنامج ندوة للرأي مهمة ومطلوبة، وأن هناك معادلة مطلوبة ستحدث، بل ولابد منها، وهى تصحيح أفكار هذه العناصر، خاصةً أن بعض التنظيمات، ومنها جماعة الإخوان، تدرك أنه في حال عودتها، فيمكن أن تعود في غضون وقت قصير؛ لأنها تمتلك ميزتين وهما: «قدرتها على التعامل مع الناس، والتوغل وسطهم».

وفي الختام، يمثل برنامج ندوة للرأي، وسيلة وخطة لحصار أو احتواء التنظيمات الإرهابية، وإعادته مرة أخرى، خلال هذه الأيام، ستحمل في طياتها الكثير، ومنها إما استكمال تجربة الحوارات، أو توقفها للأبد.