ماهر فرغلي يكتب:
الأحزاب الدينية شعاراتية لا برامجية
من المهم جدًّا أن نؤكد أن الأحزاب الدينية في مصر، ليس لها برنامج واضح، وأن معالم هذه الأحزاب الفكرية كلها لا تزيد عن عموميات، تحدثوا فيها عن التمييز بين المصادر الإسلامية التي تتمثل في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وبين الاجتهادات الفكرية على مرِّ العصور.
وحين نتحدث عن الأحزاب الدينية السلفية فإننا نقصد تلك الكيانات التي ظهرت في مصر عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك، وقد اتضح من خلال متابعتنا لها أنها لم تتلاق، ولم يكن لديها رغبة في العمل المشترك، ولم يتطلع مؤسسوها بالفعل أن يؤسسوا حزبًا واحدًا يضمهم جميعًا؛ حيث قامت كل مجموعة بجمع توكيلات لتأسيس أحزاب مختلفة، ببرامج تكاد تكون متشابهة تمامًا إلى حد التطابق؛ حتى في المرجعيات، ومنها:
1- حزب النور
وهو أول الأحزاب بحسب تاريخ الظهور القانوني، وهو أول حزب سياسي في تاريخ الجماعات السلفية في مصر، وقد أعلن عنه في 12 حزيران/ يونيو 2011.
كانت بدايات حزب «النور» بعد سقوط مبارك بيوم واحد في محافظة مطروح، الجمعة 18 شباط (فبراير) 2011؛ حيث دعا الشيخ محمد حسان لتغيير فكرة السلفيين بالتفرغ للدعوة، وعدم مقاطعة المظاهرات والانتخابات، وإلى دعوة السلفيين للتفكير الجدي بدخول معترك السياسة في مصر، مطالبًا الشيوخ بإعادة النظر في كثير من المُسلمات، مثل مسألة الترشح لمجلسي الشعب والشورى، وللرئاسة وللحكومة وللنظام، وبرر ذلك بإخراج الشباب من البلبلة التي عاشوها الأيام الماضية كلها.
في 24 أيار (مايو) 2011م قدم «حزب النور» أوراق تأسيسه للجنة شؤون الأحزاب، وأعلن عماد عبدالغفار –وكيل المؤسسين– أن حزبه يدعو إلى إقامة دولة عصرية على الأسس الحديثة، التي تحترم حقوق التعايش السلمي بين أبناء الوطن جميعًا، وأن تكون مكونات العملية السياسية جميعها منضبطة بضوابط الشريعة الإسلامية.
نشرت الأهرام في 25 حزيران (يونيو) 2011 أنه في الاحتفال بتدشين الحزب أكد الوكلاء المؤسسين للحزب أن «حزب النور» سيسعى أن يكون أكبر حزب سياسي في مصر؛ لما يمتلكه من قوة كبيرة على أرض الواقع، إضافة إلى الأعضاء الذين يبلغون عشرات الآلاف، كما أنه يضم العديد من المقار في كل محافظات مصر، بجانب دعم مشايخ التيار السلفي له الذين طالبوا الجميع بالانضمام إليه، ودعمه بآرائهم وأفكارهم ومالهم أيضًا.
وأكد مجلس إدارة الدعوة السلفية في ذات اليوم، في الكلمة التي ألقاها الشيخ علي حاتم، أنه لا يجوز أن يمتنع كل طلاب العلم والدعاة عن العمل السياسي، مشيرًا إلى أنه يكفي أن يتفرغ الدعاة الكبار للدعوة، ويشارك باقي أفراد الدعوة، ويقومون بحسن توجيه السياسية؛ حتى لا يحصل الفصل المهين بين الدين والدعوة من جهة والسياسة من جانب آخر.
2- حزب الفضيلة
كان حزب الفضيلة هو ثاني الأحزاب السلفية التي أعلن عنها، ونجح المؤسسون في جمع أكثر من 5000 توقيع لإشهار الحزب.
تشكل المجلس الرئاسي للحزب من كل من: الدكتور محمد جلال، والمهندس محمود فتحي، والدكتور مؤمن وهبان، وقد فرَّ بعضهم إلى تركيا فيما بعد.
ومن المعلوم أنه كانت هناك محاولات للوحدة بين الفضيلة قبل إشهاره رسميًّا وبين حزب السلامة والتنمية للقيادي الجهادي كمال حبيب، إلا أن هذا الكلام نفاه محمود فتحي وكيل المؤسسين بحزب الفضيلة.
كانت قصة «الفضيلة» وبدايته عندما بدأ بعض النشطاء الإسلاميين الإعلان عن الحزب عن طريق حملة إعلانية عبر «فيس بوك»، ومن خلال روابط تحمل اسم الحزب، كما أعلنوا عن إنشاء مقر له في مدينة نصر، ويعقد فيه اجتماعات يومية لإعداد الخريطة السياسية للحزب، في انتخابات مجلسي الشعب والشورى والرئاسة.
تم اختيار اللواء السابق عادل عبد المقصود عفيفي، رئيسًا للحزب، وهو المدير السابق لمصلحة الجوازات والهجرة، والشقيق الأكبر لمحمد عبد المقصود أحد مشايخ السلفيين الحركيين في مصر، الهارب لتركيا الآن، إضافة إلى اختيار المهندس محمود فتحي، وكيلًا للمؤسسين، وحسام أبو البخاري، المتحدث الإعلامي باسم ائتلاف دعم المسلمين الجدد.
3- حزب الأصالة
بعد انشقاقات في حزب الفضيلة أعلن اللواء عادل عبد المقصود تأسيس حزب سلفي جديد باسم «حزب الأصالة»، ومن أبرز الداعمين له كان الشيخ محمد حسان، والدكتور محمد عبد المقصود، والدكتور محمد عبد السلام، والشيخ مصطفى محمد، والشيخ ممدوح جابر، وذلك بعد سحب دعمهم لحزب الفضيلة.
وأشار اللواء عادل أن الخلافات عصفت داخل حزب الفضيلة السلفي؛ حيث قرر أعضاء المكتب التنفيذي للحزب الانسحاب منه وقطع علاقتهم به نهائيًّا، بعدما تبين أن هناك مؤامرة لتغيير مبادئ الحزب، التي تقوم على الالتزام بشرعية المنهج الإسلامي، وفق قوله.
4- حزب الإصلاح
مؤسس هذا الحزب هو الأستاذ هشام مصطفى عبد العزيز، وهو مدير مركز (المستشار للدراسات الإنسانية والإدارية)، والذي منه يصدر كتبه ومؤلفاته، والمشرف العام على الموقع كذلك.
يرفض هشام مصطفى اعتبار حزبه إسلاميًّا، لكنه من خلال منظور سياسي إسلامي يسعى إلى تقديم حلول على أرضية اجتماعية.
وحزب الإصلاح حزب سياسي اجتماعي سعى لتصور للدولةَ المدنيةً بمرجعية إسلامية، ويوجد تمثيل للمرأة به، كما يوجد به أزهريون.
5- حزب البناء والتنمية
وهو حزب الجماعة الإسلامية المصرية، التي خاضت حربًا دموية شرسة مع نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، قبل أن تطلق مبادرة لوقف العنف، وتتجه للعمل السياسي عقب 25 كانون الثاني (يناير) 2011.
6- حزب الحرية والعدالة
وهو أكبر الأحزاب الدينية الموجودة، إذ هو يمثل جماعة الإخوان المسلمين بمصر، وقد تأسس يوم 6 حزيران (يونيو) 2011، وصدر في 9 آب (أغسطس) 2014 حكم قضائي بحله.
7- حزب الوسط
هو حزب سياسي مصري، يصنف كيمين وسط، ذو مرجعية إسلامية، ترجع فكرة تأسيسه إلى مجموعة من قيادات الحركة الطلابية في السبعينيات، وقيادات النقابات المهنية المنتمين للتيار الإسلاموي، ومعظمهم كانوا أعضاء في جماعة الإخوان، ثم انفصلوا عنها عام 1996، وتقدموا بطلب للجنة شؤون الأحزاب لإنشاء حزب سياسي يحمل اسم حزب الوسط ثلاث مرات في أعوام 1996، 1998، و2004، وتم رفض الطلبات الثلاثة، وبناء على هذا الرفض تقدم الحزب بطعن على قرار اللجنة أمام دائرة شؤون الأحزاب بمجلس الدولة المصري، وبعد 25 كانون الثاني (يناير) وتحديدًا في 19 شباط (فبراير) 2011 قضت الدائرة بالسماح بإنشاء الحزب.
شعارات لا برامج
يمكن أن نقول إن الأحزاب الدينية اتفقت على مجموعة من المعالم الفكرية والمبادئ في برامجها، وهي في مجملها عبارة عن شعارات، على سبيل المثال: الحفاظ على الهوية الإسلامية والعربية لمصر، ومواجهة كل محاولات الانتقاض عليها أو الانتقاص منها، ورفض كل محاولات التغريب، والتصدي للفساد والانحراف والتحلل الأخلاقي والقيمي، والعمل على تحقيق الإصلاح السياسي والدستوري والقانوني، الذي يؤسس لنظام سياسي إسلامي، ونشر مفاهيم وقيم الإسلام السياسية، ومواجهة حملات التشويه التي تتعرض لها النظريات السياسية الإسلامية، وترسيخ القيم الإسلامية في المجتمع.
وبكل تأكيد هذه شعارات لم تطبقها هذه الأحزاب على نفسها، والمبادئ السابقة لا تختلف في مضمونها عن مبادئ كل الأحزاب في مصر، بما فيها الحزب الوطني المنحل، أو حزب الوفد، وغيرها من الأحزاب الليبرالية.
الكاتب كامل رحومة، قال لـ(المرجع) إن هذه الأحزاب كلها شعاراتية لا برامجية، وهي لا تعدو سوى صياغات لغوية لا علاقة لها بالواقع.
لكن رحومة استثنى حزب الوسط، وقال إنه مر بمرحلتين، الأولى حين وضع المفكر عبد الوهاب المسيري برنامجه، وكان قبل تعديل رئيس الحزب أبو العلا ماضي محكمًا، خاصة المقدمة، التي كانت فلسفية، وأشارت إلى ما يسمى (المرجعية العليا) كبديل لهيمنة الشريعة الإسلامية، لكن قادة الحزب لم يفهموا ذلك، وعدلوها في مرحلة تالية إلى أن المرجعية العليا هي الحضارة الإسلامية، وهي ما تعني الحضارة كمنتج بشري، أما الإسلام ذاته الذي أراده المسيرة مرجعية عامة لم يتكلم عن الخلافة على سبيل المثال، لكن الحضارة تتحدث عنها، وهذه هي المصيبة التي جعلت الوسط جزءًا من جماعة الإخوان وليس منفصلًا عنها.
الشريعة حاضرة والاقتصاد غائب
الشريعة الإسلامية والمرجعية الدينية لم تغب عن برامج الأحزاب الدينية مطلقًا، لكن الاقتصاد كان غائبًا وفق الكاتب أسامة الهتيمي، المختص بالشؤون الإسلامية، في حديثه الخاص بـ(المرجع)، حيث قال: الإشكالية الأكبر بالنسبة للأحزاب الدينية التي نشأت بعد 25 يناير 2011، أنها عبرت عن شخصيات لم يمارس أغلبها العمل السياسي لأسباب إما تتعلق بموقف هؤلاء من العمل السياسي في ظلِّ نظام يتخذون منه موقفًا محددًا، أو لإقصاء، وتهميش عانى منه البعض، ومن ثم فقد اتسمت برامج هذه الأحزاب وأطروحاتها بالعمومية، فضلًا عن عدم الوعي الكامل بواقع الحياة السياسية والاقتصادية.
على سبيل المثال، فحزب النور رأى في برنامجه على ضرورة الالتزام بالمادة الثانية من الدستور المصري، التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع، واعتبارها (المادة الثانية) «مرجعية عليا للنظام السياسي للدولة»، وأيضًا «نظامًا عامًا وإطارًا ضابطًا لجميع الاجتهادات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والقانونية»، وينص على أن «النبع الرئيسي للقيم المصرية الأصيلٌة هو تعاليم الدين الإسلامي»، ولذلك يقدم الحزب نفسه بوصفه «حزب سياٌسي ذو مرجعيةٌ إسلاميةٌ في إطار الدستور»، ويضيف أيضًا نحن نرى أن كل القيم الكريمة التي نريدها أن تكون متأصلة في الشعب المصري مثل الصدق والأمانة والتسامح إنما هي «مستقاة من الشريعة!».
ويحاول حزب النور أن يقدم رؤية في أحكام الجنايات الموجودة في الشريعة، ويقول ينبغي النظر إليها قبل الإسراع إلى تنفيذ الأحكام على الناس، وهي تلك المتمثلة في دور الدولة، وما يمكن أن تتخذه من تدابير لحماية مواطنيها من الانحراف، واللجوء إلى طرق الحرام.
ولا توجد للنور رؤية اقتصادية واضحة، ورؤيته التي قدمها ترى ضرورة «إلغاء الربا» لأنه ناتج عن استغلال حاجات الإنسان الضرورية اللازمة لإقامة حياته الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن وملبس وتعليم وغيرها، ثم يؤكد على موردين أساسين من الموارد المالية للدولة، وهما الضرائب والزكاة.
وفي شأن الزكاة يطالب بـ«وضع التشريعات والنظم التي تجعلها في موضع التنفيذ، وتحصيلها من الملتزمين بها شرعًا»، ومن ذلك «تشكيل هيئة مستقلة لها تسمى مصلحة الزكاة والصدقات تتمتع باستقلالية في النظام الإداري والمالي، كمؤسسة من مؤسسات الدولة تخضع لرقابتها وإشرافها».
ويتحدث حزب البناء والتنمية في برنامجه عن قيم وأخلاق عامة، لا يختلف عليها أحد بما فيها حزب المصريين الأحرار على سبيل المثال، أو القوميين المصريين، وهي دور المرأة، فيرى ربط استمرار المشاركة السياسية للمرأة بالتزام آداب الشريعة الإسلامية، فذهب إلى الإيمان بأن الله تعالى قد كرم المرأة، وأن الإسلام وشريعته قد بينت أن لها من الحقوق ما يجعلها على قدم المساواة مع الرجل، ورأى ضرورة إعادة النظر في مجمل الأوضاع المتعلقة بالمرأة والأسرة «بحيث تكون متسقة مع شريعة المجتمع، ومع هدي القرآن والسنة».
ويطالب حزب الفضيلة في برنامجه بإطلاق حملات تثقيف إعلاميَّة واجتماعيَّة ودينيَّة، تعمل على تصحيح الصورة الذهنية السلبيَّة للمرأة، والتحذير من ظلمها والافتئات على حقوقها، على أن تستند تلك الحملات إلى «المبادئ والقيم الأخلاقيَّة النابعة من التَّعاليم الإسلامية».
أما حزب الأصالة فمن أهم أهدافه وفق برنامجه إعادة دور مصر إلى الريادة، والعمل على ممارسة الديمقراطية في إطار الشريعة الإسلامية، وتفعيل مبدأ الشورى، وفيما يقوله خلل كبير.
يطالب الأصالة بتفعيل المادة الثانية من الدستور، ورفع شأن اللغة العربية والهوية الإسلامية، وإعادة مصر إلى القومية العربية والإسلامية.
كذلك حزب الإصلاح يقول مؤسسه: إن الحزب ينطلق من إيجاد أرضية مشتركة بين أطياف قوى المجتمع، ويقول إن «مفهومنا للدولة الإسلامية ليس الممارسات التي تمت في عصور معينة، لكن له مرتكزان أساسيان: السيادة للشرع والسلطان للأمة»، مشددًا على ضرورة التفرقة بين المنهج الإسلامي والتطبيق الذي شابه بعض الانحراف، مدللًا بعقد البيعة في الإسلام على إمكانية خلع الحاكم، ورأى أن الانحراف وقع عندما تم تقليد أنظمة إمبراطوريات غير إسلامية.
في الختام، فإنه لا برنامج حقيقي لكل الأحزاب الدينية، ولا خطة اقتصادية، أو برنامج سياسي واضح، ورؤية لبناء الدولة، وكل ما كتبه منظروها ما هو إلا تعميمات يتفق عليها الجميع.
ونعتقد أن هذه الأحزاب لا تقصد من مشاركتها السياسية لا تنفيذ برامج ولا تطوير دولة، بل هو «شرعنة الوجود»، وهي مرحلة مهمة وفاصلة في تاريخ الإسلام السياسي كله؛ حيث تمثل حالة التأرجح تجاه العمل السياسي إحدى أهم الإشكاليات لدى الإسلامويين السنوات الماضية، وإنشاء أحزاب يعتبر نقلة موضوعية وتاريخية من مجال الجماعات التي يديرها بعض الرموز إلى ترتيبات حزبية، لمواجهة منافسات ذات طبيعة دعوية وأيديولوجية وسياسية.
والخلاصة أن الأحزاب الدينية حاولت أن تستفيد من السيولة القائمة في محاولة استثمار ذلك في الصعيد السياسي، وترويض بعض التشدد والمغالاة في الخطاب، ونجحت إلى حد ما أن تكون منبرًا لجماعات وتنظيمات تعمل تحت السطح.