ماهر فرغلي يكتب:
لماذا فشل تنظيم "أجناد مصر" وانتهى بلا رجعة؟
حين نسرد قصة "تنظيم أجناد مصر"؛ الذي ظهر في الفترة بين عامَي 2015 و2017، وانتهج أسلوب التفجيرات عن بعد، وقام بترتيب مراحله، لتبدأ بقنابل هيكلية، ثم بدائية الصنع، ثم قنابل ومتفجرات متقدمة، ستبدو على الفور الأسئلة وتتضح من السياق الأجوبة بشكلٍ وافٍ؛ هل يمكن أن ينتهي تنظيم للأبد؟ ماذا لو اختفى دون رجعة؟ أهي أسباب بنيوية تلك التي فكّكّت هذه العناصر أم خارجية؟ وهل يمكن أن تجري هذه المعادلات على كلّ التنظيمات أم هي حالة متفردة خاصة؟
التمحور حول القائد
تمحور تنظيم "أجناد مصر" حول شخصية واحدة، هي همّام محمد أحمد عطية، المولود بفرنسا، عام ١٩٨١، لأبوين مصريَّيْن، وقضى نحبه عن عمر ٣٦ عاماً، وكان مقيماً بشارع الشيخ أحمد بدري، مدينة الأحرار بمنطقة المرج، التابعة لمحافظة القاهرة، وحين تمّ قتله تشرذم أجناد مصر إلى مجموعات وقطع متناثرة.
تمحور "أجناد مصر" حول همّام محمد أحمد عطية وكثّف من ظهوره الإعلامي وتصارع داخلياً ففشل وانتهى بلا رجعة
أقام همام فترة مع والده الذي يعمل طباخاً في فرنسا، وعمل معه في مهنته نفسها، والتقى هناك بأحد أتباع القاعدة الذي أقنعه بالسفر لأفغانستان، واختفى بعدها وهرب من باريس إلى سويسرا، ومنها ذهب إلى لبنان، التي اتجه منها إلى الحدود الأفغانية حيث انضم لتنظيم القاعدة رسمياً، وتلقى تدريبات على فنون القتال وصناعة الأسلحة والمتفجرات، ثم ذهب، عام 2007، إلى العراق، حيث عمل خبيراً في المتفجرات، ثم قرّر فجأة العودة، فذهب إلى السعودية وعمل في تجارة الدواجن، وعاد منها إلى مصر، عام ٢٠١٢، عن طريق بيروت، التي دخل منها إلى مصر، مستغلاً فترة الفراغ الأمني بعد الثورة المصرية.
كان همام خبير متفجرات غير عادي، وكان مسؤولاً عن ذلك حين انضمّ إلى جماعة بيت المقدس، وعمل مع صديقه، بلال صبحي فرحات، ضمن الجماعة، وأصبح مسؤولاً عن الخلية التي أطلق عليها "الخلية الكيميائية"، التي صنعت المتفجرات المستخدمة في تفجيرات مديرية أمن جنوب سيناء، والقاهرة، والدقهلية، ومبنى الاستخبارات الحربية بالإسماعيلية، وكادت الشرطة أن تلقي القبض عليه وصاحبه في كمين على طريق الإسماعيلية القاهرة الصحراوي، قرب مدينة الشروق، في شهر أيلول (سبتمبر) 2012، لكنّهما تمكّنا من الفرار، عقب اشتباك مع قوة الكمين، وتركا سيارتهما التي عُثر فيها على بطاقاتهما الشخصية، وكمية من المتفجرات، فذهب إلى مدينة العريش، هرباً من الملاحقات الأمنية، وبقي حتى منتصف عام 2013؛ حيث عاد إلى محافظة الجيزة.
مكث فترة في مدينة نصر، وكان يلتقي بالشباب ليعلمهم صناعة المتفجرات في إحدى الشقق، وتمكّن خلال تلك الفترة، من تشكيل خلايا عنقودية، ونجح خلال عام ونصف العام في تنفيذ أكثر من ٢٦ عملية، بدأت يوم 17 نيسان (أبريل) عام ٢٠١٤، التي أعلن التنظيم دعائياً عنها في إصدار مرئي بعنوان "القصاص حياة"، ثم توالت عملياته، التي كانت في الأغلب تتم كلّ يوم جمعة على الطريق الدائري، وأمام جامعة القاهرة، وأمام شرطة الجيزة، وعشرات غيرها راح ضحيتها العشرات من الأبرياء، وتم توثيقها في إصدارات متتالية، من أبرزها: "إقالة السفاح"؛ الذي تناول إقالة وزير الداخلية محمد إبراهيم، و"زمجرة العبوات"، واللقاء المرئي المطول مع قائده "همام عطية"، بعنوان "الحوار المفتوح مع المسؤول العام لأجناد مصر"، ثم أصدر عدة بيانات أعلن من خلالها مسؤوليته عن الهجوم على قوات الأمن المركزي بمحطة البحوث، واستهداف قسم شرطة الطالبية، وفي يوم الجمعة التالي، بتاريخ ٣١ كانون الثاني (يناير)، أصدر بيانه الثالث؛ ليعلن من خلاله مسؤوليته عن استهداف معسكر الأمن المركزي على طريق الإسكندرية، بعبوتَين ناسفتَين.
كما تبنّى التنظيم تفجير ٣ عبوات ناسفة أمام جامعة القاهرة، ضمن حملة "القصاص حياة"، وعدة عمليات إرهابية وقعت خلال شهر آذار (مارس)، ومنها استهداف قوات الأمن المتمركزة في مدينة "٦ أكتوبر"، في ٤ آذار (مارس) ٢٠١٤، واستهداف قوات الأمن بالقرب من السفارة الإسرائيلية، بتاريخ ١١ آذار (مارس)، واستهداف قسم شرطة في مدينة نصر بعبوة ناسفة، في ٢٩ آذار (مارس).
وكان همّام وتنظيمه لا يقومان بأيّة عملية إرهابية إلا يوم الجمعة من كلّ أسبوع، آخرها يوم الجمعة ٧ شباط (فبراير) عام ٢٠١٤، عندما زرع عبوتَين ناسفتَين أعلى كوبري الجيزة، ثم اختفت تلك الجماعة لفترة طويلة تعدّت الشهرين، حتى ظهرت ببيانها رقم (٥)، الذي تبنّت فيه استهداف قوات الأمن أمام جامعة القاهرة، والذي أسفر عن استشهاد عميد شرطة وإصابة ٥ آخرين، ثم غيّر إستراتيجيته، وبدأ ينفّذ عملياته في أيّ يوم، وكان منها: إلقاء قنبلة بدائية الصنع على كشك مرور كوبري الجلاء.
الظهور الإعلامي المكثف
اهتم تنظيم أجناد مصر بالإعلام بشكل كبير، وكثّف من ظهوره الإعلامي، حتى بتاريخ 13 كانون الأول (ديسمبر) 2014، أعلن اسمي اثنين من قياداته وذكر صفحتيهما على مواقع التواصل، لتسهيل الاتصال بينهما وبين الصحفيين ووسائل الإعلام، وهما: محمد بلال القاهري (مسؤول العلاقات العامة للتنظيم)، ومعاذ المصري (المسؤول الإعلامي لمؤسسة الكنانة).
كان همام خبير متفجرات وكان مسؤولاً عن ذلك حين انضمّ إلى جماعة بيت المقدس وعمل مع بلال صبحي فرحات
في بيان التنظيم الثاني عشر، الصادر في 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2014؛ أعلن تأسيس ذراع إعلامي باسم "مؤسسة الكنانة"، لينشر عبرها إصداراته، وفي 2 كانون الأول (ديسمبر) 2014؛ دعا عبر مسؤوليه الجماهير لإرسال أسئلتهم واستفساراتهم، التي سيجيب عنها قائد الجماعة فيما بعد، وبالفعل نشر في 11 يناير (كانون الثاني) 2015، حواراً مرئياً مطولاً مع همام عطية، أجاب فيه عن تلك التساؤلات.
ونشر التنظيم عبر مؤسسة الكنانة عدداً من المقالات، مثل: "هل هناك أمل؟" لعلي سعيد، و"توالي الإقالات واستمرار العمليات" لعبد الرحمن أسامة، و"لماذا اخترنا العمل في مصر؟"، و"خطوة لتكون مجاهداً" لمحمد بلال القاهري.
القائد همام شرح في أجوبته أيديولوجيا التنظيم للجمهور والصحفيين، ورؤيته للأحداث في مصر، وموقفه الشرعي والديني من التيارات والجماعات الأخرى، وتحدث قائلاً: "أجناد مصر هو الاسم الذي كان يطلق في عصر العزّ والمجد على المجاهدين في مصر، فمن كانوا يخرجون للفتوحات كانوا يسمّون أجناد مصر، ومن خرجوا مع صلاح الدين وسيف الدين قطز كانوا يسمون أجناد مصر، فلذلك اخترنا هذا الاسم الذي فيه عبق من تاريخنا الإسلامي، تيمناً بعودة هذا العز لأمتنا من جديد".
دعا همام في لقائه الذي تحدث فيه بصوت مغاير لصوته الحقيقي لمواجهة الأنظمة السياسية، وقال إنّه غير مستعجل، وإنّ تنظيمه بدأ خطواته تدريجياً، ولا بدّ من السعي لحدوث تغيير شامل باستعمال القوة، ورفضه المشاركة السياسية في ظلّ أيّ نظام، وإنّ الحكم على أعيان الطائفة الممتنعة فيه خلاف بين أهل العلم، ومن ثم فإنّ التنظيم لا يلزم أفراده بقول معين في هذه القضية.
سقوط الرمز والصراع على التنظيم
كان همام يتنكر على هيئة صاحب (ماركت) في ميدان لبنان بالجيزة، ويلتقي عناصر الخلايا الذين يأتون في هيئة مشترين للبضائع، لكنّ سقوط إسلام شعبان شحاتة سليمان، اسمه الحركي حسن، ٢٣ عاماً، وهو طالب يقيم بمنطقة المطرية، أثناء قيامه بوضع قنبلة أمام دار القضاء العالي، أدى فيما بعد لسقوط القائد المؤسس.
اعترف إسلام شعبان بأنّ مؤسس التنظيم هو صاحب الاسم الحركي، فوزي أو حسام، وأنه يبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً، ويسكن في شارع فيصل بالجيزة، ومن هنا كانت البداية؛ إذ ظلّ الأمن يتتبعه، لمدة ٣ أشهر كاملة، واكتشف أنّه الإرهابي الخطير المتخصص في صناعة المتفجرات، همّام محمد أحمد عطية، أحد المتهمين في قضية أنصار بيت المقدس، وفي هذه الأثناء غيّر محلّ إقامته ٣ مرات، كان آخرها شقة في منطقة الطوابق، استأجرها وكانت معه زوجته وأولاده الصغار، ولم يكن فيها أيّ أثاث، وكان رجال البحث في الآونة نفسها، يتتبعون الفريق الإعلامي لما يسمى مؤسسة الكنانة، ومنهم أبو بلال القاهري.
هناك رواية أخرى لسقوط همّام؛ أنّ قسم شرطة الهرم تلقّى بلاغاً من مواطن يفيد بتعرض شقته لسطو مسلح وسرقتها، فانتقلت أجهزة الأمن إلى مكان الواقعة، وتمت معاينة الشقة واستجواب حارس العقار، كما تمّ استدعاء صاحب العقار لسماع أقواله، وطلبت منه أجهزة الأمن الاطلاع على صور بطاقات الرقم القومي الخاصة بجميع السكان، خاصة الذين استأجروا شققاً بالعقار مؤخراً، وارتاب الأمن في صورة شخص، ففحصوا صورة بطاقته التي ارتابوا فيها، وتبيّن لهم أنّها تخصّ أخطر إرهابي بمصر، وهو المتورط في قتل العميد طارق المرجاوي، والعشرات من العمليات الإرهابية، وتمّ اقتحام شقة المتهم، وكان ساعتها يضع متفجرات خلف باب الشقة، وتمّ قتله برصاصة في رأسه، وادعّى التنظيم أنّه تمّ القبض عليه حياً، وعقب انتهاء التحقيقات اصطحب مرة أخرى للشقة التي قتلوه فيها.
اعترفت زوجة همام، التي كانت معه أثناء مقتله، في تحقيقات النيابة المصرية؛ بأنّ الذي أجرى الحوار مع زوجها في إصدار التنظيم هو أحمد النجار، المشهور بالاسم الحركي (مالك الأمير عطا)، لتبدأ مرحلة البحث عن القادة الجدد للتنظيم.
مالك الأمير؛ الذي اعترف أنّه كان إخوانياً اتخذ من شارع فيصل مركزاً لإدارة عمليات التنظيم قبل مقتله، وكان كثير الحوارات الفكرية والكتابة بمواقع التواصل، حتى أنّه كان يطلق على نفسه في صفحته الشخصية (مسعَر حرب)، ومنها مقاله الذي جاء بعنوان "أنت مراقب"؛ حيث كانت صفحته ملتقى لكلّ من يعتنق هذا الفكر.
توصلت أجهزة الأمن لمالك، وقتلته بالرصاص في شقته، ومعه عنصر آخر، بعد أن فشلت كلّ محاولاته في التخفّي، ليضع نهاية غير طبيعية لتنظيم أجناد مصر، الذي تولى قيادته، بعد مقتل مؤسسه السابق، مجد الدين المصري، همام عطية.
حاول تنظيم القاعدة، عن طريق أبي المجد الهراري، وهو أبو مارية القحطاني، أحد فقهاء القاعدة، ومنظريها بالشام، والعدو الأول لداعش، الذي خطط لاغتياله أكثر من مرة، أن يقنع همام بالانضمام لتنظيمه، وأرسل له عن طريق وسطاء محليين، ومشايخ مقربين من القاعدة بمصر، إلا أنّه فشل في ذلك، وحاول تنظيم داعش أن يفعل ذلك أيضاً، إلا أنّه فشل، وفق اعترافات إسلام شعبان، وعقب وصول الأمن له، ومقتله على أيدي الداخلية المصرية، تخلخلت بنية التنظيم.
تولى أحمد جلال أحمد محمد إسماعيل، اسمه الحركي (عز الدين المصري) فيما بعد قيادة التنظيم، وأعلن أجناد مصر بعدها مسؤوليته عن زرع عبوتين ناسفتين بشارع يوسف عباس، تقاطع صلاح سالم بالقرب من نادي الحرس الجمهوري خلف فندق "سونستا"، بمنطقة مدينة نصر، انتقاماً لمقتل مالك الأمير عطا.
كان قد بدأ، في هذه الفترة، ما يسمى تنظيم "العقاب الثوري" عمله، ومعه بعض الكتائب الإخوانية الأخرى، مثل كتائب حلوان، وغيرها من الأسماء الكثيرة، التي خرجت متوالية لتضليل الأجهزة الأمنية، ولتصعيب المهمة عليها.
استغلّ أحمد جلال هذه السيولة في إعادة برمجة وتشغيل الأجناد من جديد، ولم تكن هناك فروق كبيرة فكرية بين كلّ الذين يعملون في هذه التنظيمات، فكلّهم يؤمنون بما يسمى "شوكة النكاية"، وكلّهم يعتقدون أنّ هذا النظام مستبدل للشريعة، وأنّ رأسه كافر، مستباح الدم والعرض، وأنّ وزراءه لا يعذرون لا بجهل ولا بتأويل.
نجح جلال في إعادة تشكيل وترميم أجناد مصر، لكنّه، إلى حدٍّ ما، كان يؤمن بسياسة النفس الطويل، وارتأى أنّ الكمون لفترة وجيزة مهم لبناء تنظيمه، كما أدرك أنّ الحصول على المتفجرات والأسلحة والذخيرة، دائماً ما تكون البداية التي يصل بها الأمن للأفراد والعناصر المسلحة، فخطط للحصول على الأسلحة من ليبيا، وإدخالها عبر الصحراء الغربية، وقام باستئجار شقق، ومحلات تجارية، ومنها الشقة التي كانت في شارع اللبيني، وكانت أكبر مخزن للسلاح؛ حيث وُجدت فيها 500 قنبلة مركبة وجاهزة للتفجير.
أيضاً، عن طريق أحد الأعضاء، توصل الأمن للقيادي عز الدين المصري، بعد رصده لفترة ليست بالقصيرة، ومعرفة من يقابلونه، وبعدها قاموا باقتحام شقته بمدينة الرحاب، التي كان يدير منها التنظيم، رغم أنّه من سكان المعادي، لكنّه بادرهم بإطلاق النيران، وبعدها قُتل، وتمّ نقله لمشرحة زينهم، وبدأ سقوط المجموعات، فسقطت مجموعة الهرم، وكرداسة، وأخيراً المعادي، التي واجهت الأمن بجسارة غريبة، ودامت المعركة المسلحة أكثر من 5 ساعات متواصلة.
عقب مقتل أحمد جلال؛ اختار عناصر التنظيم الكمون، وبعدها تشتّت أغلبهم؛ إما خارج البلاد في سوريا، أو باختيارهم الانضواء في المجموعات الإخوانية، أو الانضمام لما يسمى تنظيم "جند الخلافة في أرض الكنانة"، الذي بدأ أولى عملياته عقب انتهاء أجناد مصر، بقتله ضابط بمنطقة المطرية.
تمحور تنظيم أجناد مصر حول شخصية واحدة؛ هي همّام محمد أحمد عطية، وكثّف من ظهوره الإعلامي، وتصارع داخلياً حول أيديولوجيات معقّدة، ففشل وانتهى بلا رجعة.