عدنان برجي يكتب:
الإنقاذ ممكن في لبنان .. وهذا طريقه
تتخبّط الطبقة الحاكمة في لبنان، في كل مجالات السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، وبناء الإدارة العامة، والتربية والتعليم، ويظهر تخبّطها جليّا للقريب والبعيد، ، فهل هذا التخبّط جديدًا، وطارئًا ، ام انّه ملازم لوجودها؟ وتعبير قاطع عن فشلها؟. وكيف يمكن الخروج من المآزق الكبرى التي يعيشها اللبنانيون نتيجة فشل وتخبط هذه الطبقة؟.
القارئ الموضوعي لتجربة هذه الطبقة، منذ ما بعد اتفاق الطائف، في اوائل تسعينيات القرن الماضي، لم يفاجأ بحجم التخبط والفشل، بل المفاجأة كانت لماذا تأخر الانهيار الى هذا الوقت؟ وكيف استطاعت هذه الطبقة ان تداري فشلها حتى أتت على كل مقومات الدولة، وعلى أموال الناس ولقمة عيشهم.
لقد رسم اتفاق الطائف عام 1989، طريقًا لإعادة بناء الدولة بعد حرب قاتلة لمدّة خمسة عشر عامًا. وهذا الاتفاق، جاء ثمرة طروحات مختلف أطراف الطيف اللبناني، حيث انتصرت وحدة لبنان على طروحات التقسيم، والتفتيت، والفدرلة، وكان يُفترض ان يكون الحكّام وطنيّون، وحدويّون، ديمقراطيّون. لكن بسبب التحالف الإقليمي الدولي المُهيمن آنذاك، تسلّمت الميليشيات والمافيات مقاليد السلطة، فجرى الإلتفاف على اتفاق الطائف، ولم تُطبّق بنوده، ولم يتم الإلتزام بالمواعيد التي حدّدها، كإطار زمني للوصول الى دولة المواطنة بدل دولة الطوائف والمذاهب.
كمثال على ذلك: غاب الإنماء المتوازن، فتم تهميش المحافظات، ولم يتم النهوض بالمدن وبالعاصمة تحديدا، غاب الإهتمام بالزراعة والصناعة والإنتاج، وذهب الجميع الى اقتصاد ريعي هجين.
تعمقّ التعصّب المذهبي والطائفي، باعتماد قوانين انتخابيّة مناقضة لما ورد في اتفاق الطائف، ولم تنشأ الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، ولم يقم مجلس الشيوخ. والمجلس الاقتصادي الاجتماعي تم تحويله الى فولكلور، وكذلك مجلس محاسبة الوزراء والنواب، وحيل دون قيام سلطة قضائيّة مستقلّة. اما الإدارة العامّة فاستُبيحت، وهُمشّت المؤسّسات الرقابيّة، وحل التعاقد الوظيفي مكان الكفاءة، والخبرة، والجدارة، والتجرّد عن الأهواء والعصبيّات والمحسوبيّات. لم يبنَ تعليم رسمي، ولم يُحصّن مستشفى حكومي، ولم تُشق طرقات، بل تضاعفت الديون العامّة مئة ضعف، باقتصاد ريعي، تعاون في انجازه حاكم مصرف مركزي، وجمعيّة مصارف، وحيتان مال، وتجار سياسة، وبائعو أوهام، وإعلام مأجور وتابع.
هل يمكن الخروج من كل هذه المآزق؟ وقد تم إفشال تحرك 17 تشرين 2019 ؟. الجواب نعم، لكن الطريق طويل وشاق، ولن يستطع سلوكه المترددون، والخائفون، والتابعون، والمزايدون، والمغامرون، والمقامرون.
الطريق يُختصر باعتماد مطلب واحد، يُشكّل المدخل للتغيير والتطوير وضمان حقوق الوطن والمواطن.
فلبنان يتبع النظام البرلماني، ولا سبيل الى تغيير هذا النظام، ولا مصلحة في تغييره. اذن بداية الطريق: قانون انتخابي وفق ما جاء في الدستور: نسبي، وعلى أساس المحافظة، ودون قيد طائفي، وبضوابط صرف مالي. لقد كان مفترضًا الغاء طائفيّة مجلس النواب، بعد ستة عشر عامًا على انتخاب اول مجلس نيابي بعد الطائف، وقد انتهت المهلة. بالمقابل يتم انتخاب مجلس شيوخ على أساس طائفي كما ورد في اتفاق الطائف وتُناط به حقوق الطوائف، بينما يُناط بالمجلس النيابي حقوق المواطن.
ان اجتمع الثائرون، والديمقراطيون، ودعاة بناء لبنان الوطن لا المزرعة، على هذا الهدف، تكون مسيرة الإنقاذ قد بدأت بخطوتها الأولى على طريق الألف ميل.
ان وحدة المطلب تضيّق مساحة الاختلاف في الاجتهادات، وتجعل تحقيقه اكثر يسرًا، وتقلّل التجاذبات والتدخلات الخارجيّة، في حين أن طرح جميع المطالب في وقت واحد يؤدّي الى المثل الشعبي: من كبّر الحجر ما صاب.