د. عيدروس النقيب يكتب:
للواهمين وبائعي الأوهام
تكاثرت المنشورات والمقالات (والتحليلات) التي يتطوع بها بعض من يزعمون أنهم سياسيون ومثقفون وإعلاميون يمنيون، ممن لا يروق لهم إصرار الشعب الجنوبي على الوصول بقضيته الجنوبية إلى مآلاتها النهائية مثلما لا يروق لهم نشاط المجلس الانتقالي الجنوبي المنتصر لهذه القضية، لكنك ما أن تقرأ السطور الأولى من تلك المنشورات حتى تشعر بكمية الهلع والرعب والارتباك الذي يصيب هؤلاء من التقدم الذي تحققه الدبلوماسية الجنوبية تحت قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، حتى وإن تظاهر هؤلاء بالسخرية والتندر أو تصنع اللامبالاة والتقليل من شأن ما يجرى على الأرض الجنوبية.
وأثناء زيارة وفد المجلس الانتقالي إلى روسيا الاتحادية مؤخرا، كتب أحد المحسوبين على فئة المثقفين اليمنيين يقول ما معناه أن روسيا لا تكره شيئا أكثر من التقسيم والانفصال، وإنها تقاتل منذ 30 عاما حفاظا على كيانها الاتحادي، لكن صاحبنا نسي أن روسيا هي من قبلت بتفكيك المعسكر الاشتراكي المكون من ست دول كانت تشغل نصف مساحة أوروبا وآسيا، وقبلت بتفكيك الاتحاد السوفييتي المكون من 15 جمهورية اتحادية سوفييتية كانت تمثل ثاني أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم، ، فمن الواهم إذن؟
المجلس الانتقالي الجنوبي يتبنى مطالب الجماهير الجنوبية التي دشنتها منذ المراحل الأولى بعيد اجتاح الجنوب وتدمير دولته في العام 1994م وانتقلت بها الثورة السلمية في العام 2007م إلى طور المواجهة المباشرة مع قوات الغزو والاجتياح والاحتلال وهو بهذا لا يبيع وهما ولا يراهن على صدقةٍ من أحد.
مطالب الجنوبيين ملخصها العودة إلى نظام الدولتين الجنوبية والشمالية بحدود 21 مايو 1990م بالوسائل السلمية وعن طريق الحوار الثنائي”الجنوبي- الشمالي” الندي والمتكافئ وبرعاية إقليمية ودولية، بالاحتكام إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة حول حق الشعوب في تقرير مصيرها واتفاقية فيينا بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية.
المجلس الانتقالي ومن ورائه ملايين الأنصار من المواطنين في كل محافظات ومديريات وبلدات الجنوب لم يوعد أحد بأنه سيأتي للجنوبيين بدولتهم من خلال عصا سحرية، وتبعا لذلك لم يقل رئيسه اللواء عيدروس اازبيدي والوفود التي ترافقه في الزيارات الخارجية بأنهم ذهبوا ليعودوا بالدولة الجنوبية داخل حقيبة سمسونايت هدية من الدول التي يزورونها، بل إن المجلس يعلن لكل أنصاره ومؤيديه ومبغضيه أن الطريق إلى استعادة الدولة الجنوبية طويل ومتشعب وشائك، ومملوء بالمطبات والأفخاخ التي يتقن أعداء الجنوب صناعتها وزرعها، وتلغيم الطريق بها، لكنه ومعه كل الجنوبيين المؤمنين بعدالة قضيتهم موقنون بحتمية انتصار قضيتهم العادلة والمشروعة.
وطالما هناك من يتحدث عن الوهم والواهمين، فإن أكبر الأوهام هي تلك التي تقول أن “الوحدة المعمدة بالدم” قد حفظت اليمن من التشظي والتمزق ومن إراقة الدماء وإزهاق الأرواح، لأنه لا يوجد تشظي ولا تمزق ولا إراقة للدماء ولا إزهاق للأرواح أكبر مما أقامه أدعياء الدفاع عن تلك “الوحدة” التي وأدوها بفتاويهم وبتفكيرهم قبل دباباتهم ومدفعياتهم، ومثل وهم “الوحدة المعمدة بالدم” يأتي الوهم الآخر هو وهم “اليمن الاتحادي” و”دولة الأقاليم”، التي يقاتل فيها نصف الأقاليم النصف الأخر، أو ثلثي الأقاليم الثلث الآخر.
وأخيرا: إن الدبلوماسية الجنوبية لا تنطلق من ثقافة التوسل والتودد أو بوس اللحى و”التجواه” ولا من منطلقات البيع والشراء كما اعتاد الكثير من اليمنيين أن يشهدوا وسمعوا ويقرأوا، بل إنها تنطلق من العديد من الاعتبارات المنطقية والسياسية والقانونية أهمها:
- عدالة ومشروعية القضية الجنوبية التي يقر بها الأعداء قبل الأصدقاء.
- الوثائق والمرجعيات والمعاهدات الدولية المتصلة بحق الشعوب في تقرير مصيرها بما في ذلك قراري مجلس الأمن الدولي رقمي 924، 931 لعام 1994م بشأن حرب 1994م على الجنوب.
- احترام الموقف السياسي لكل الشركاء الدوليين ووضعهم أمام الحقائق التي يسعى البعض إلى التعتيم عليها أو القفز على مضامينها فيما يتعلق بقضية الجنوب وحقه التاريخي.
- الأهداف المشتركة في حماية السلام والأمن الإقليميين والدوليين، ومكافحة الإرهاب كخطر يهدد جميع الأمم والبلدان مهما صغٌرت أم كبُرت.
- المصالح المشتركة بين شعبنا الجنوبي وبقية شعوب البلدان التي يتعامل المجلس مع قياداها وأنظمتها السياسية.
- الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
أما الذين ينتظرون أوهاما ليتاجروا بها فعليهم البحث عنها في أماكن أخرى لكن ليس لدى شعب الجنوب وقواه السياسية الحية وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي.